اقتصادنا الفيدرالي

TT

يتدافع أعضاء الكونغرس، مثل اللاموس، بعيدا عن جرف مُسلم به. ولكن بعض المحللين الاقتصاديين، الذين يقولون إنهم يعرفون أن الجرف موجود وأن الاقتصاد سينهار إذا توقف الكونغرس ليفكر قبل أن يمكن وزير الخزانة من السيطرة على تدفق رأس المال عبر أوردة الرأسمالية الأميركية، هم بعض من الخبراء الذين قالوا في مارس (آذار) إن التدخل الحكومي الوقائي في شأن بير سترنز أمر ضروري لاحتواء الأزمة.

كل ما تم فعله في الستة أشهر الماضية كان من أجل التعامل مع ما كان من المفترض أن تمنعه إجراءات سابقة. ربما تكون الحقيقة البديهية المتعلقة بهذا الموضوع هي: لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

إن جوهر هذه الأزمة يكمن في نقص المعرفة، ومنها عدم القدرة على معرفة من يدين بماذا لمن، وأين هو مكمن الخطورة. في مثل هذه اللحظة، لا يجب أن تختلف سرعة الحكومة كثيرا عن كمية المعلومات المتوفرة لديها. مع وصول هيبة الحكومة، التي تقاس بنسب قبول الرئيس والكونغرس، إلى أدنى مستوياتها في التاريخ، تتحمل الحكومة مسؤوليات غير مسبوقة. ويتميز هنري بولسون، الذي يعرف أيضا بالفرع الرابع للحكومة، بالذكاء وأنه لا يعرف التعب، يتمتع أيضا بخبرة كبيرة في هذا المجال كما هو مرجو. ولكن لا يتمتع أحد بالكثير من المعرفة الكافية بالمهام التي ستوكل إليه بموجب تشريع من ثلاث صفحات يمنحه حرية تامة في التصرف في 700 مليار دولار على الأقل.

قبل أن يقنن الكونغرس هذا التشريع، يجب أن يرجع إلى البند الأول من المادة الأولى من الدستور: «إن جميع السلطات التشريعية الممنوحة بموجب هذا الدستور يجب أن يكون المنوط بها مجلس تشريعي أعلى في الولايات المتحدة، والذي يتألف من مجلس للشيوخ ومجلس للنواب». ولكن مع تحول الحكومة الفيدرالية إلى دولة تنظيمية في القرن العشرين، فوض الكونغرس السلطات التشريعية على نحو روتيني إلى السلطة التنفيذية والوكالات المستقلة. هذا واحد من الأسباب التي يندم بسببها المحافظون على نمو الحكومة: فهذا يتبعه إحلال سيادة القانون، القوانين التي وضعها النواب المنتخبون، بسيادة القواعد التي تضعها السلطة التنفيذية.

يقول النائب بارني فرانك، الذي يترأس لجنة الخدمات التجارية في مجلس النواب: «لا يمكن لأحد في دولة ديمقراطية أن يكون غير منتخب ويحصل على 700 مليار دولار لينفقها كيفما يشاء.. هذه ليست طريقة تدار بها دولة ديمقراطية». إن فرانك حذر فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي للحكومة الأميركية، وهو السيطرة التشريعية على الأموال العامة. ولكن تقضي القاعدة الأساسية في الاقتصاد السياسي الأميركي بأنه لا يحق لشخص غير منتخب أن يكون له مطلق السلطة في التصرف في مثل هذه المبالغ من أموال دافعي الضرائب.

في عام 1922، وعد لينين، بعد أن هاجمه اليسار بسبب سماحه لإقامة بعض المشروعات التجارية والزراعية الصغيرة الخاصة، بأن الدولة ستتحكم في الصناعات السوفياتية المؤثرة. في عام 1945، أوضح حزب العمل البريطاني خططه في التأميم بقوله إن الاشتراكية يجب أن تشمل «سيطرة الحكومة على الصناعات المؤثرة في الاقتصاد».

في بريطانيا عام 1945، كان هذا يعني الاعتماد على الصناعة: الحديد والفولاذ والفحم والسكك الحديدية، الخ. في العام نفسه قال أنيورين بيفان، أحد رموز حزب العمال السياسيين: «إن بريطانيا جزيرة تقع فوق الفحم ومحاطة بالأسماك؛ لا يمكن أن يحدث نقص في الفحم ونقص في السمك في وقت واحد إلا من خلال عبقرية منظمة».. وقد حققت الاشتراكية هذا سريعا.

اليوم، الصناعة الأميركية المؤثرة هي الخدمات المالية، وفي هذا الشأن تلاشى الخط الفاصل بين القطاعين العام والخاص إلى درجة عدم القدرة على التمييز بينهما. ما هو المكافئ الأميركي للفحم والسمك؟ ربما نكتشف هذا.

يجب أن تصدر مجموعة كبيرة من الأحكام المعقدة بشأن من له القرار، وما هو المعيار في ذلك، وأين ستوجه الأموال، وكيف تحدد قيمة المؤسسات المالية وسعرها والأصول التابعة لها، التي سوف تمتلكها الحكومة سريعا. ولكن هذه المشكلات الصغيرة للغاية، على الرغم من كبر حجمها، تبدو باهتة إلى جوار المشكلة الكبرى، وهي: لقد حلت الأزمة أثناء الشهر التاسع من طوفان ديموغرافي كبير، يتمثل في تقاعد 78 مليون شخص من مواليد الخمسينات. فمع تقدم السكان في السن، تتطلب دولة الرفاهية، التي تتحول في الأساس إلى مضخة لتحويل الرواتب بمنحها المعاشات والرعاية الصحية لكبار السن، المزيد من النمو الاقتصادي السريع لتوليد عائد متزايد. وقد وصل الأمر لدرجة أن أزمة اليوم نتج عنها توزيع لمبالغ طائلة وفقا لاعتبارات لا علاقة لها بالفاعلية الاقتصادية، وهذا سيؤدي إلى حصر البلاد في نمو اقتصادي أقل من المأمول.

سترتبك الإدارة المقبلة، وخاصة إذا كانت برئاسة أوباما، في ظل قيود اقتصادية شديدة الضيق. ولكن ستدفع الأجيال التالية تكاليف تزايد دور الدولة في توزيع الموارد المالية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»