القبلية التي ترفض الهزيمة

TT

لماذا نحن أمام أزمات متكررة. انقلابات متكررة في موريتانيا. عسكر مداومون على حكم السودان. جمهوريات لا تتغير قياداتها. دولة الحزب والرئيس الواحد. ملكيات لا تطور انظمة حكمها الداخلية. وهواجس بمخاوف تغيير غير متوقعة، انقلابات، حروب داخلية. لماذا النظام العربي، لا المواطن العربي فقط، مسكون بالقلق الدائم على مستقبله ومن بعده؟

التفاسير السريعة للأزمات القائمة واضحة، لكن التفسير الأصلي مجهول، وهو ان الدولة العربية بشكل عام لم تكتمل بعد، فالنظام العربي الواحد في طور التغير، وليس بالضرورة في طور النمو والتطور. وواحدة من إشكالات اليوم ان الماضي لا يتغير بسرعة، والقبيلة نموذج.

فمعظم دول العالم الثالث عالق في المنتصف، بين التحول الى الدولة المدنية والخروج من هيكل مجتمع القبيلة، الذي حكم المنطقة لقرون طويلة. ظهور الدول الحديثة كان يعني إذابة القبائل، لذا أخفيت قسرا مظاهرها من ثياب واسماء وأماكن، وشتت تجمعاتها. وإخفاء القبيلة، أو تذويبها، لم يكن من عمل الطبيعة، بل من صنع المواطن والدولة. كان مطلبا اساسيا حيث لا يمكن ان يجتمع حكم الدولة مع القبيلة، وهذا الى حد ما صحيح، إلا ان القبائل ليست شركات او حكومات يمكن اسقاطها بسهولة، بل هي حياة وتاريخ كل فرد من مواطني الدولة.

وفي سبيل الانتقال جرب كل بلد صيغته لكن اكثرها فشل فشلا ذريعا، واشهرها اليمن الجنوبي، الذي قام وسقط بين عامي 67 و90 وحكم بنظام ماركسي. في لحظة خلاف بين القادة تحول كل لينيني وماركسي الى قبيلته حاملا السلاح ضد الرفاق. كان النظام مجرد قشرة خارجية تزين قبليين أجادوا حفظ أدبيات اليسار، رغم ان نسبة التعليم بين السكان وصلت الى 75 في المائة. ولم يكن اليمن الجنوبي وحده الذي فشل في الخروج من نظام العالم القديم. اليمن الحالي ولد بعد إسقاط الإمامة، والماركسية، وتوحيد الشطرين، وبناء البرلمان، ومع هذا ظل يعاني من السبب القديم نفسه، والمعارك مستمرة بين المركز والقبائل المتمردة. سقط الإمام منذ اربعين عاما، لكن بقيت القبيلة قوية، فلماذا؟

هل لأن اليمن ضعيف الاقتصاد، بقيت البلاد خارج العاصمة صنعاء، ضعيفة الارتباط مع النظام المركزي، بخلاف دول مثل الخليج التي سهلت مداخيل النفط تواصلها، وعززت مكانة النظام المركزي كنظام أبوي حل محل القبيلة؟

ربما، لكن حتى دول الخليج بقيت دولا قبلية، رغم أموالها وقوة مركزيتها الادارية. هي كذلك الآن ولأكثر من خمسين عاما، لماذا؟ في تصوري ان هناك خوفا مبررا لدى الأنظمة يقول إن محو القبيلة سيحدث فراغا اكبر من قدرتها على ملئه، وبالتالي ليست حريصة على إلغاء النظام القديم كليا، ولا تريد في الوقت نفسه منحه سلطة تهدد المركز. والصراع القبلي موجود تحت مسميات مختلفة في العراق والجزائر والسودان والصومال وموريتانيا. والصراع محتمل تقريبا في كل الدول العربية الاخرى، باستثناء مصر. فمصر تكاد تكون الدولة المركزية الوحيدة التي تلاشى فيها النفوذ القبلي، وساعدها على ذلك ان غالبية اهلها فلاحون مرتبطون بالأرض والنيل. أما العراق فهو رغم انه حكم من انجليز ويساريين وقوميين وبعثيين فقد ظل بلدا عشائري التركيب. واليوم الصوت الأعلى فيه صار للطائفة، فهل ستهمش الطائفية القبلية؟ أشك لأن قبائل العراق في داخلها منقسمة شيعة وسنة.

[email protected]