انتفاضة نسائية جديدة ضد الفضائيات العربية

TT

لم يعد الأمر يحتمل مزيدا من الصبر فأعلنت انتفاضتها، هالها عظم الجناية فأطلقت استغاثتها، حاصر الهجوم مملكة بيتها فاستصرخت، الصوت الناعم للمرأة لم يعد ناعما وهي تطلق من حنجرتها «كفى» و«كفى» ثم «كفى»، إنها «كفاية» لكنها هذه المرة إعلامية وليست سياسية.

هذه الـ«كفى» القوية صدرت السبت الماضي من مجموعة من الأكاديميات والمثقفات السعوديات، عبر تدشين «جمعية الدعوة إلى الفضيلة في وسائل الإعلام»، التدشين كما جاء في موقعها على الانترنت، هو الانتفاضة ضد أي فضائية عربية تبث المسلسلات العربية أو الأجنبية المدبلجة المكتنزة بالخيانات الزوجية، ومشاهد العري والقبلات الساخنة واللقاءات الحميمة والحوارات الرديئة، هي انتفاضة ضد الإعلانات الفضائية التي تحوي على الإيحاءات والإشارات والأفكار التي ترتكز على الاستغلال الجنسي للمرأة، هي «لا» ضخمة ضد عرض أغاني الفيديو كليب ذات الملابس العارية والأوضاع المخلة وحركات الإثارة الجنسية، والأغاني ذات الكلمات الداعية للرذيلة والمحرضة عليها، إنها «كلا» مدوية ضد أي قناة فضائية تعرض برامج المراقص والكباريهات والملاهي الليلية لتنقل هذا العالم السفلي إلى كل بيت عربي، حيث تتزاحم أجساد الراقصين وهي تنز بالعرق المشحون بالشهوة، هي صرخة احتجاج نسوية ضد الفضائية التي تشجع أو تسمح للمذيعين والمذيعات بتبادل كلمات الغزل الفاضح، وتداول النكات المبطنة، والكلمات المفخخة بالجنس.

يا سادة، لم يعد هذا التحذير حكرا على الدعاة والوعاظ والمتدينين، لقد أصبح هما مؤرقا لكل أطياف المجتمع العربي وشرائحه، بل لقد شارك فيه بعض المنتمين للساحة الفنية والعلمية، فهذا المخرج العربي الشهير نجدة يحذر من انحدار العمل الفني الذي تعرضه بعض الفضائيات العربية، وقبله المطرب محمد عبده الذي أعلنها مدوية باستنكاره الشديد لأغاني الفيديو كليب، التي تهدف إلى الربح المادي على حساب أخلاقيات المجتمع، وسبقهما زويل العالم الأكاديمي المصري الحائز جائزة نوبل وغيرهم كثير.

إذن لم تعد المسألة قضية حلال أو حرام أو نوعا من الطرح المتشدد، كما يتصور مناصرو هذا الانحدار الفضائي العربي، وإنما المشكلة تكمن في تهديد استقرار الأسر العربية وسلامة القيم الأصيلة، التي تنشأ عليها الأجيال الجديدة كما جاء في بيان تدشين هذه الجمعية المهمة، إننا نفهم الحرص الشديد على رصد منابع التطرف والإرهاب لو وجدت في مناهج التعليم أو في أي منشط اجتماعي أو فكري، ونستغرب جدا كيف لا تربط جرائم الزنى والاغتصاب والتحرش بالنساء ومطاردتهن في الأسواق، بل وحتى شيوع التحرش بالمحارم بهذا الانحدار الفضائي العربي المخزي.

دعونا نحتكم إلى الشارع العربي، أتمنى من الفضائيات العربية التي تسمح ببث المواد المسيئة للأخلاق أن تنزل إلى حي الجيزة في القاهرة، أو حي العليا في الرياض، أو سوق الحميدية في دمشق، أو إحدى التجمعات السكنية في الدار البيضاء أو أي مدينة عربية، وأن توزع استبيانا على عينة كبيرة، أكاد أجزم وهذا ليس رجما بالغيب، أن أغلبية العينة لن ترضيها البرامج التي تخدش الحياء وتكسر حاجز الأخلاق.

هذه الأغلبية الصامتة المغلوبة على أمرها من الشعب العربي ومجتمعاتهم، التي بدأت تتأثر سلبا بأي بث رخيص، هو بالضبط الذي أرادت أعضاء «جمعية الدعوة إلى الفضيلة» في وسائل الإعلام أن يوصلنه إلى أسماع الفضائيات العربية، التي تجيز هذا النوع من البرامج، فكانت هذه الصرخة النسوية المدوية «كفى».

[email protected]