موظفون تحت خط الفقر!

TT

من المحزن أن تعاني من العطش وبينك وبين النهر خطوات..

من المؤلم أن تنام جائعا والمكان متخم بأطايب الطعام..

من المستغرب أن تعاني الفقر، وكل ما يحيط بك ينعم بالثراء..

تسكب في دواخلك هذه العبارات، وأنت تقرأ يوميا في الصحف حالة التيه التي تعيشها بعض المؤسسات الحكومية في التعامل مع مشكلات الفقر والفقراء في السعودية، فوزارة الشؤون الاجتماعية لا ترى أنها وحدها المعنية بملف الفقر، وقد تكون محقة في ذلك فوزارة مثل وزارة العمل يفترض أن تكون معنية بهذا الملف أيضا، وهذه الوزارة قد تركت الحبل على الغارب، فاستغل «بعض» القطاع الخاص حاجة الإنسان إلى العمل، وعدم وجود حد أدنى للرواتب، وسخر طاقات الناس بأبخس الأثمان.. وفي الخبر الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» عدد الأحد الماضي حول الفيلم القصير، الذي أعده وأخرجه طراد الأسمري بعنوان «راتبي ألف ريال» ما يوضح جوانب من هذه المعاناة، فلقد هدف الفيلم إلى القول بأن ليس كل موظف يخرج عن دائرة الفقر، مستضيفا موظف أمن يعمل في أحد المجمعات التجارية في مدينة جدة براتب 1200 ريال، ويعول أسرة مكونة من سبعة أشخاص، ويعمل لفترة زمنية لا تقل عن 12 ساعة، ولا يتوفر له ضمان اجتماعي أو صحي، تاركا للمشاهد أن يتخيل كيفية تدبير هذا الموظف للطعام والشراب والسكن والدواء، حتى ليمكن القول إن انخفاض مستوى البطالة في ظل عدم تحديد حد أدنى للأجور لا يعني النقص في أعداد الفقراء، بل إن بعض الوظائف تزيد من الإحساس بالقهر والفقر والحرمان.. وإذا ما أخذنا في الاعتبار المعايير التي توصل إليها الباحث السعودي راشد الباز، أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض من أن «كل سعودي يقل دخله عن 1600 ريال، فهو يعيش على الكفاف، ومن قل دخله عن 1200، فهو يقبع تحت خط الفقر، من دون حساب تكلفة السكن»، فإنه يمكننا أن ندرك حجم العاملين الذين يعيشون على الكفاف أو تحت خط الفقر!

ولا تفسير لحالة التيه التي تعيشها بعض المؤسسات الحكومية المعنية بملف معالجة الفقر، ولا عذر لها أيضا في ظل الاهتمام الشخصي الذي يحظى به هذا الملف من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، فلقد جعل هذا الملك الصالح معالجة الفقر أولوية من أولويات عهده، وهدفا أساسيا ضمن منظومة أهدافه الكبرى، وعلى الذين يحاولون التقليل والتهوين من حجم المشكلة بالقول إنها «محدودة ومنحصرة في الأغلب في المناطق المعزولة» مراجعة مفهومهم للفقر، فالفقر موجود في مختلف المدن والمناطق، وليس بالضرورة أن يتحول الفقراء إلى متسولين في شوارع المدن لكي نراهم، فثمة فقر كريم تظن أصحابه أغنياء من التعفف.. وحسبنا الله.

[email protected]