في هجاء الأوز

TT

ينسب الى جورج برنارد شو القول «كلما ازددت معرفة بالناس، ازددت حباً بالكلاب». ولا أدري ما هي صحة النسب، أو إن كان حظها من الحقيقة أن ينسب الى سارتر القول «إن الأسلوب هو الرجل». وقد اهتم سارتر بقضايا كثيرة، لم يكن بينها الأسلوب.

بين حين وآخر أشاهد البرامج عن معيشة الحيوانات، خصوصاً التي وضعها السير ديفيد اتنبورو، الذي كان يذهب الى الغابات والأدغال بكامل أناقته. قبل أيام كان له برنامج قديم عن الطيور. تصوّر الكاميرا طيوراً سوداء الظهر، بيضاء الصدر، في حجم الحجل تقريباً، لها منقار أسود غير حاد، يكفي لأن تحمل به الطعام الى فراخها الوليدة. وفي موسم الفقس تحوم حول هذه العصافير البائسة، طيور الأوز.

كنت أحب طيور الأوز وفصائلها الراقية من البجع. أحب بياضها الثلجي. كبرياءها الواعدة. إبحارها الهادئ. تحليقها المتخايل. عنقها الطويل مثل زرافة من لون واحد، نقي وثلجي. زرافة لها ريش يغطيها في البرد ويحملها الى بلاد الدفء في موسم الشتاء. وكنت أعتقد أنها تعيش على الذرة والحبوب وعلى فتات الخبز التي ترميها اليها العجائز في بحيرة «الهايد بارك». وكنت أحب الأوز كما أحب الحملان والفراشات وأبا الحناء الذي سمي كذلك بسبب لون الحنة الذي يغطي صدره الجميل.

كانت مفاجأة غير مسرة إطلاقاً في برنامج ديفيد أتنبورو ذلك المساء. هذا الأوز الأبيض الجميل، يخادع مثل البشر، يترصد الفراخ الوليدة وينقض عليها سريعاً ثم يلتهمها دفعة واحدة. لكن الأمهات اللاتي في نصف حجمه لن تتركه يتمادى في جريمتي الخطف والقتل. تندفع نحو الأوز المهاجم بمناقيرها الصغيرة وأجنحتها المتوسطة وتروح تقاتله وتصرخ به وتدعو عليه وعلى نسله من الأخساء. وفيما صغارها ترتعش خوفاً، تستميت هي في التحدي، وتطلب من الله أن يعينها على المعتدين. وفي النهاية يتعب الأوز من تحدي الطيور الصغيرة ويحلق متثاقلاً ومتوعداً. وتنصرف الأمهات الى تلقيم فراخها.. واحداً واحداً.