الصورة التي يرغب ماكين أن يرى نفسه فيها

TT

التدخل المفاجئ الذي قام به جون ماكين في المشاورات التي أجريت في واشنطن حول إنقاذ وول ستريت لا يمكن أن تكون سوى محاولة للتفاعل مع ما يحدث بالفعل.

وقد أشار ماكين إلى أن «الانقسام الحزبي في واشنطن منعنا من التعامل مع التحديات التي تجابهنا على الصعيد الوطني»، غير أن توحيد الجهود بين الحزبين ظل السمة الغالبة لعدة أيام في كلا الجانبين، فقد كان الجمهوريون والديمقراطيون شديدي الانتقاد لمقترح الرئيس بوش بضخ 700 مليار دولار في النظام المالي، غير أن قادة الحزبين حاولوا التفاوض حول الاتفاق مع هنري بولسون وزير الخزانة الأميركي، وقد كانوا قريبين من الاتفاق من حيث المبدأ حتى قبيل وصول المرشحين الرئاسيين إلى اجتماع البيت الأبيض أمس والذي رأى ماكين أنه بالغ الأهمية.

وأما نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس، وجون بونر زعيم الأقلية، واللذان غالبًا ما كانا يجادلان في كل التفاصيل، أصدرا يوم الأربعاء الماضي بيانا مشتركا أشارا فيه إلى أنه «بفضل العمل المشترك فقد حققنا نجاحًا»، وقد كان ذلك صحيحا، على الأقل، حتى اجتماع أمس حيث عكر بونر صفو الاجتماع بتقديمه مقترحا آخر جديد.

وإذا ما كان ماكين متابعا للمفاوضات عن كثب، لكان أدرك هذا الأسبوع أن أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين كانوا قلقين من أن عضو الكونغرس بارني فرانك رئيس لجنة الخدمات المالية في الكونغرس، كان شغوفا لإبرام صفقة هو الآخر. ولم يكن فرانك بحاجة إلى تحفيز ماكين إعلان تأييده للجهود المشتركة بين الحزبين، فقد قال أمام تجمع البيت الأبيض عقب الاجتماع «إنها مجرد صورة» أما كريس دود عضو لجنة البنوك بمجلس الشيوخ فقد أسماها «مسرح سياسي» ربما يؤدي إلى فشل الاتفاق.

أما بوش نفسه فقد كان على استعداد على غير العادة لتقديم الامتيازات، ففي خطابه إلى الأمة قال إنه يرغب في توفير الحماية لدافعي الضرائب، وهو ما يعني أنه استجاب لمطالب الديمقراطيين بأن تحصل الحكومة على أسهم في الشركات التي تنقذها، كما أقر آليات الإشراف التي كانت تفتقرها مقترحات إدارته، كما قبل الفكرة التي رفضها مفاوضوه بشدة وهي تقييد حجم الأموال التي يمكن للمديرين التنفيذيين للشركات المتعثرة الحصول عليها والتي يمكن أن تقدر بالملايين جراء عملية الإنقاذ تلك.

وإذا ما كان البعض يتشككون في أن تحركات ماكين إنما جاءت في سبيل تعضيد مكانته في الترشح للرئاسة وليس للاقتصاد، فإن عليهم النظر دراسة قرار ماكين تعليق حملته الانتخابية للرئاسة.

ففي أعقاب المكالمة الهاتفية التي أجراها ماكين مع أوباما الأربعاء الماضي والتي ناقشا فيها إعلان مبادئ مشتركة، عرض ماكين فكرة تعليق الحملة الانتخابية حتى انتهاء الأزمة، ووعده أوباما أنه سيفكر في الأمر، لكن ماكين لم يمهله، ولدهشة أوباما ظهر ماكين على التلفزيون بعد المحادثة ليعلن تعليق الحملة الانتخابية من جانب واحد وطالب بتأجيل مناظرة يوم الجمعة. إذا فهل هذا هو توحيد الجهود والعمل المشترك؟

وأما بالنسب لدعوة المرشحين الرئاسيين إلى البيت الأبيض فقد كان كبار مساعدي بوش منخرطين في مناقشات مع مساعدي ماكين طوال يوم الأربعاء، في حين لم يتلق أوباما الدعوة من الرئيس لحضور الاجتماع إلا في الساعة السابعة والنصف مساءً، أي قبل ساعة ونصف الساعة من خطاب بوش. وهو ما اعتبر تدخلاً من جانب بوش بالنيابة عن ماكين لوضع أوباما داخل الصورة. فهل هذا هو توحيد الجهود والعمل المشترك؟

أبسط الحقائق أن واشنطن مصعوقة من هول تلك الأزمة وسوف تقوم بعمل شيء في الأيام المقبلة، لكن هناك مخاوف تنتشر في المدينة بأن المستثمرين الأجانب، خاصة الصينيين قد يسحبون ودائعهم التي تقدر بالمليارات خارج النظام المالي الأميركي.

وجدير بالذكر أن جورج سوروس حذر من أن اتفاقيات الائتمان المتبادل المتعثر غير المنظمة سيكون أكثر خطورة وتدميرا من الرهون السيئة وأن هناك 45 تريليون دولار من تلك الأدوات الخفية تنتشر في النظام المالي العالمي، وقد جاء ابتكار تلك الأدوات كوقاية ضد التأخر في دفع الديون، ولكن حتى الاقتصاديون الأذكياء لا يدركون تأثيرها الكامل أو كيفية تسعير قيمتها الحقيقية.

وتعد المخاوف الباعث الكبير على التشريعات الحذرة، لكن ما كان هناك داع للقيام بمثل هذا التدخل لإثبات الولاء الوطني، فقد دخل ماكين إلى اللعبة في نهاية الوقت، إذا كان هناك العديد من اللاعبين في الساحة بالفعل، غارقين حتى آذانهم في المشكلة ومتعبين، لكنهم في ذات الوقت كانوا عازمين على الوصول إلى الهدف النهائي، وفي ذات الوقت كانوا يتساءلون لماذا يتم الزج بهذا الضيف الجديد في وسطهم فجأة.

لكن مع ذلك يمكن لماكين يمكن له أن يلعب دورا بناء عبر توحيد أصوات الجمهوريين المتضجرين من السياسات المالية الحالية.

المثير في الأمر حتى الآن هو أن العقبة في طريق إصدار قانون ربما لا تكون من الديمقراطيين، بل من الجمهوريين الذين يرفضون المضي قدما مع مقترحات رئيسهم الجمهوري، نعم إن هناك انتخابات قادمة وإن الديمقراطيين سيكونون أكثر حذرا في التقدم ما لم ينضم إليهم عدد كبير من الجمهوريين.

غير أن تدخل ماكين العاصف ـ خاصة تدخله في النقاش ـ كانت خدعة تكتيكية لرجل قلق حول حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة أكثر منه كرئيس.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»