كركوك وغيرها.. هل يمكن حل الخلافات العربية الكردية ؟

TT

لم أسأل أحداً عن رأيه في احتمالات التوافق الكردي العربي إلا كان التشاؤم طاغياً عليه، وكلما حاولت أن أجمع بين معادلات الأيام في زمن ما قبل 2003 على الجانبين، الرسمي العراقي، والمعارض للنظام واجتماعات الأحزاب التي وصلت الى السلطة، وبين ما حصل في 2003 وبعده، تعذر الوصول الى جواب يتسم بالتفاؤل. فكل طرف يرى أنه على حق، أو ان مفهوم الحق وغيره ما عاد إلا فهماً مرتبطاً بالمصالح.

وخلال جولات التفاوض بين الحركات الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة، التي حضرت أو تابعت عددا منها، لم تكن هناك جسور ثقة بين الطرفين، فكلاهما لا يثق في الآخر، لأن لكل طريقه. وكان مؤملاً أن يكون التغيير الذي حصل في العراق مفتاحاً لبناء الثقة، لكن الأمل في واد والخلافات في واد آخر، وبينهما جبل من جليد ليس سهلاً ذوبانه .

إحدى النقاط التي تتأسس عليها الخلافات ترتبط بالحلم الكردي بتكوين دولة خاصة بهم، فنسبة كبيرة من الكرد تسعى لتحقيق هذا الحلم، ربما تزايدت النسبة كثيراً في المرحلة الأخيرة، فيما يتمسك عرب العراق بوحدة بلد ورثوه هكذا، بصرف النظر عن المعطيات الأخرى، ومع أن نسبة التمسك بهذا الموروث ربما تآكلت نسبياً، إلا أنها محسوبة على ثلاث محافظات كردية، السليمانية وأربيل ودهوك، وهو أمر يرفضه الكرد من دون كركوك على الأقل، وعدد آخر من المدن والقصبات، وفي ظروف العنف الطائفي المسيس، كان متوقعاً عدم تمسك العرب الشيعة بكركوك كالعرب السنة، الذين يعتبرونها جزءاً من مصيرهم، إلا أن يوم 22-7-2008 أظهر تماسكاً شيعيا سنياً وتركمانياً غير متوقع، وشكل التصويت في البرلمان على قانون الانتخابات صدمة كبيرة للكرد، ورمى كل ما قيل خلال فترة المعارضة في سلة النسيان.

يقول الكرد إن منطقة كركوك الغنية بالنفط تعرضت لعمليات تعريب منظمة، ولا أحد ينكر ذلك، فالحقائق مسجلة ومعلومة، إلا أن الفريق العربي التركماني، يقول إن مدينة كركوك تعرضت لعمليات تكريد كبيرة، ويواصل العديد من نواب البرلمان وأعضاء مجلس محافظة كركوك التأكيد على أن التغيير الديموغرافي الكردي فاق كثيراً التغيير العربي، وارتفع تعداد السكان في المدينة بنسبة كبيرة، إلا أن الحكومة المركزية لم تعلن معلوماتها المحسوبة على البطاقة التموينية، التي لايزال العمل بها مستمراً، كما لم تعلن قوات التحالف معلوماتها عن ذلك، طبقاً لأرشيف إشرافها على مؤسسات الدولة .

وتعكس حالة الصراع الطارئة على مدينة خانقين حجم الصراع الكبير على مدينة كركوك، فقد رفض الكرد دخول قوات الجيش العراقي الى المدينة، وخرجت قوة صغيرة دخلتها فعلاً، لأن الموقف أنذر بانفجار توافرت أسبابه، وكان لا بد من وقف تداعايات الأزمة، ريثما يمكن للطرفين الوصول الى حل. وترى الحكومة الخط الكردي محدداً بما سمي الخط الأزرق، وهو توصيف لمناطق وجود الإدارة الكردية قبل 9-4-2003 . ولم يكن الوضع بعيداً عن تعبير القلقل الأميركي، الذي بين توسع الإدارة الكردية خارج مناطقها يوم سقوط النظام السابق، ما يعني الوقوف الى جانب بغداد .

وهكذا تستمر الفجوة اتساعاً في محافظة الموصل وديالى وصلاح الدين، فضلاً عن العقدة المستعصية منذ نصف قرن في كركوك.

الكل يعلن تمسكه بالدستور، طبعاً عدا الكتلة / الأطراف العربية السنية في البرلمان، التي تشكك في شرعيته، لكن حتى الذين يتمسكون به يفسرون فقراته ومواده طبقاً لفهمهم الخاص.

ولم تعد المشكلة مرتبطة بالمناطق المتنازع عليها، وفقاً للدستور وخارج نصوصه. بل تعدى ذلك الى خلاف في مفهوم التوافق، فالكرد يفهمون التوافق على اساس التوافق في كل ما يرتبط بالشؤون الاستراتيجية، فيما تنظر الحكومة الى المفهوم بطريقة مختلفة تضمن لها هامشاً من التصرف المباشر، وظهرت مثل هذه الخلافات على ما نشر عن طلب الحكومة المركزية اثنين وثلاثين طائرة من طراز اف16 الأميركية، فقد اعتبرت الادارة الكردية الخطوة خرقاً للتوافق، لأنها لم تستشر، وطالبت الأميركيين بأخذ تعهد من الحكومة العراقية بعدم استخدامها ضد الكرد والمكونات الاخرى، وهو ما فسر من قبل المتحدثين من العرب بمحاولة العمل على إبقاء العراق دولة ضعيفة قابلة للتفكك. كما اعترض الكرد على تهميش رئيس أركان الجيش الكردي، وعدم أخذ رأيه في الكثير من المواضيع المهمة. وأدت الخلافات الحكومية مع الادارة الكردية والصدمة التي أصابت الكرد جراء تصويت 22-7-2008 . الى تصدع الثقة بين أطراف التحالف الرباعي بين الكرد والشيعة. وهكذا هي حال التحالفات التي تتأسس على قواعد ظرفية، فمرحلة العمل السياسي المتناسق قبل الوصول الى السلطة، كثيراً ما تفقد مقومات الاستمرارية بعد الوصول الى الحكم. خصوصاً ان البعض كان يفكر بطريقة تكتيكية على قاعدة (لنصل الى الحكم والله كريم).

وتسوق المعطيات المذكورة الى تشخيص حالة الخطر الجدي التي تمر فيها العلاقات الكردية العربية في العراق، بكل ما يترتب على ذلك من محاذير الإنجرار الى مسببات أبعد من التباعد. والحقيقة، إن عدم اطلاع السياسيين العرب على ملفات التفاوض بين الحكومات العراقية المتعاقبة والحركات الكردية، لأن معظمهم كان خارج مؤسسات الدولة، كان عنصر نقص في فهم المعطيات، وللحقيقة أيضاً ان الكرد وإن كانوا قد رفعوا سقف مطالبهم بعد سقوط النظام السابق، فإنهم لم يأتوا بجديد جوهري منها. كانوا يطالبون بكركوك وغيرها، والخرائط التي تظهر الآن هي ذاتها التي كانت تظهر قبل 2003، وكان النظام السابق يحسب الأمور كما يراها هو في ضوء ظروفه.

أما الموقف الإقليمي، فلم يكن متعاطفاً مع بغداد وكانت دول الجوار الكردي متعاطية معهم، ربما على قاعدة أن صدام باق حالياً وإذا ما رحل فلكل حادث موقف.

ومن حقائق التاريخ، ان القتال لا يحل مشكلة تجذرت، خصوصاً في ظل موقف خارجي متحسس. متحسس من زيادة النفوذ الكردي، ومتحسس من عودة بغداد قوية. لذلك لا بد من تبني مبدأ الحوار والتفاهم الداخلي، وفق منطق الحق، وليس استغلال ظرف، أو تجاوز على حقوق. فهل نرى نجاحاً لحل منصف وواقعي ؟ أشك كثيراً في ذلك اذا لم تتعزز الثقة بين الطرفين.

[email protected]