نعم.. هي فوضى!

TT

فجأة تزايدت أعداد حالات التسيب والفوضي في أكثر من مكان بالعالم العربي، حالات تتصاعد فيها قوى العصابات والأشقياء والخارجين عن القانون، وتتراجع فيها هيبة ونفوذ وقوة الدولة المركزية. فلم يعد بالغريب ولا النادر سماع قصص خطف العصابات في اليمن للسياح، والتفاوض بعد ذلك على فدية كبيرة مع الدولة التي ينتمي اليها المخطوفين، ونفس الشيء يحصل الآن في قضية السياح المخطوفين في مصر والذين يتنقلون بين ثلاث دول مصر والسودان وليبيا (وهناك من يقول إن تشاد أيضا دولة رابعة في مسار رحلتهم العجيبة). وطبعا هناك ما يحدث في الصومال من قرصنة بحرية على أعلى وأخطر مستوى تمارس بحق الخطوط البحرية الدولية يتم فيها الاعتداء على المراكب وسلب أموالها والبضاعة الموجودة عليها وقتل طاقمها في بعض الأحيان، والصحراء الجزائرية لا تزال تشهد حوادث القتل والخطف بأعداد متزايدة ومرعبة، والسودان به إقليم كامل خارج عن حدود السيطرة وتحدث فيه من التجاوزات بحق الناس من اغتصاب وسرقة وقتل مالا يمكن تصديقه. كل هذه المؤشرات لها دلالة واضحة وعلامات بليغة على هشاشة الدولة المركزية ووهنها واستغلال الجماعات المارقة لهذا الضعف ومحاولة توظيفه لصالحها لتحقيق أفضل النتائج. إنها مستصغر الشرر فهكذا تبدو الكوارث وهكذا تنطلق المآسي، ولعل ما حدث في لبنان إبان الحرب الأهلية المعروفة هو تأكيد لذلك، فالحرب بدأت بعصابات مارقة خارجة عن منظومة الدولة وقوانينها، وكانت هذه العصابات تمارس أعمالها تحت شعارات دينية وحزبية، ولكنها في حقيقة الأمر لم تكن سوى حفنة من الأشقياء، استغلوا ضعف الدولة وانقضوا ينفذون خططهم بلا هوادة. التقليل من هذه الأحداث واستمرار التعاطي معها على أنها مجرد أحداث «فردية شاذة» دون الإقدام على ممارسة أشد أنواع العقوبات والردع بحق المخالفين سيكون بمثابة رخصة لارتكاب المزيد، وكذلك إعلان صريح على ضعف الدولة وقرب انهيارها. الخط البياني المتصاعد لنوعية هذه الجرائم وإشكالها وتطورها هو إنذار مخيف لما هو قادم، حالات البطالة والغضب والتطرف والشرذمة الاجتماعية وهي منتشرة وتتزايد وبشدة في المجتمعات العربية كلها تشكل «مقادير» مناسبة لوجبة الفوضى والخروج على القانون بهذا الشكل الهمجي المجنون. حروب العصابات كانت كثيرا ما تنتمي الى العالم السفلي الأسود والملئ بالرذيلة والغموض والإجرام. هناك بعض الجيوب والمناطق في العالم العربي تقع خارج سيطرة الحكومات وخارج سيطرة وتحكم القوات الأمنية، مناطق تفضح إخفاقات الحكومات وعجزها الشديد، كل هذه الأشكال المختلفة هي دلائل على فشل خطط التنمية وعجز المنظومة الاجتماعية على احتواء كافة عناصر المجتمع بشكل متوازن وسوي، مما ولد هذه المشهد البائس والحزين، وهي أيضا دلائل على خلل في توزيع فرص العيش بكرامة على مناطق كل بلد بعدالة، مما يولد الإحساس بالظلم وينتج منه غضب يترجم بأعمال حمقاء كالتي نراها. نعم العالم العربي يعيش في بعض مناطقه سيناريو فوضى خطيرة، فلو ترك بدون علاج فوري وحاسم سيتحول الى مشهد خطير تكلفة علاجه سيتحملها الكثير بالألم والجراح.

[email protected]