«ملك الدراما» يسعى للإنقاذ

TT

بسرعة، يجعل المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأميركية جون ماكين من نمط تفكيره قضية لا يمكن تغافلها خلال الحملة الرئاسية. والسؤال هو: هل حقا تريد البلاد الكثير من الدراما في البيت الأبيض؟

خلال الأيام الأخيرة، اتسم أداء ماكين بالغرابة، وهذا قول به الكثير من التلطف. وفي محاولة لاستعراض القدرات القيادية في الأزمة المالية، دعا ماكين الأميركيين لتوحيد صفوفهم بعد فترة طويلة من المشادات. وفي تلك الأثناء، إذا عدنا إلى واشنطن وقد نالها الكثير من الانتقادات، نجد الجنرالات بهدوء أكثر وصورة أوضح للمعركة يقومون بمهامهم، من دون اللجوء إلى الأداء المسرحي.

ومن ثم، يجد أي مراقب موضوعي أن عليه القول بأن الكونغرس تصرف بصورة جيدة منذ تقديم وزير الخزانة، هنري بولسون، مذكرته التي جاءت في ثلاث صفحات، والتي يمكنني إعادة صياغتها لتكون أكثر وضوحا: «أعطوني 700 مليار دولار وإلا أكره أن أقول أننا سنرى شيئا سيئا ينال من اقتصادنا».

لقد تعامل نوابنا المنتخبون بجدية مع المطالب الملحة التي افترضتها الأزمة، ولم يسقطوا في الخصومات الحزبية، وقد بدأ يظهر إجماع مفاده أنه من المهم أن نتصرف سريعا، ولكن علينا ألا نصاب بالذعر. ليس من الحكمة أن نعطي هذه الإدارة، أو أي إدارة أخرى، شيكا على بياض من دون رقابة حازمة، كما يريد بولسون. ويجب على بولسون أو البيت الأبيض أو أي شخص آخر توضيح لماذا سوف تفلح تلك الخطة، ولماذا لن تحقق الخطط الأخرى نتائج أفضل؟ كما أنه يجب عدم مكافأة المسؤولين الذين وضعوا شركاتهم في مخاطر، وبعد ذلك تحولوا إلى الحكومة طلبا لخطة إنقاذ، بتعويض يصل لمئات الملايين من الدولارات من أموال دافعي الضرائب.

ويبدو أن المفاوضات بين الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي وإدارة الحزب الجمهوري حول تلك وغيرها من النقاط تجري بسرعة البرق، بالنظر للوتيرة العادية لتلك الأشياء في واشنطن. ويقول بارني فرانك، النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس، الذي كان المفاوض الرئيسي للأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب: «على الرغم من أننا كنا على وشك الوصول إلى اتفاق، أقحم جون ماكين نفسه علينا ليساعد في الوصول إلى اتفاق».

للوهلة الأولى، يمكن أن ينظر إلى «تعليق» ماكين المفاجئ لحملته ودعوته لتأجيل أول مناظرة رئاسية على أنها أمر سياسي محض. ففي الفترة الأخيرة، كان ماكين يتراجع في استطلاعات الرأي، فيما كان باراك أوباما، المرشح الديمقراطي لمنصب الرئيس، يتقدم. وبصورة واضحة، فقد سرعت أزمة وول ستريت من تلك الاتجاهات. وليس أواخر سبتمبر (أيلول) هو الوقت الذي تسمح فيه لخصمك بتعزيز تقدمه.

لم يكن تغير الموضوع، الذي سما به رجال ماكين ليأخذ قالبا فنيا، هو الخيار لتلك المرحلة، ولذا كان يجب على الحملة بصورة أو بأخرى الهروب أمام الأزمة. وعلى ضوء التقييم المبدئي لماكين، فإن أصول هذا الاقتصاد قوية، ولن يكون ذلك أمر سهل. الحل كان محاولة جعل الأمر يبدو وكأن ماكين يقود الجهود البطولية لإنقاذ أوضاع الأميركيين المعيشية. وللقيام بذلك، كان عليه أن يصور مفاوضات حول خطة الإنقاذ، التي كانت تحقق تقدما بصورة منتظمة، كما لو كانت قد توقفت أو تعاني من عثرات معينة. قال ماكين: «علينا أن نتقابل كأميركيين، وليس كديمقراطيين وجمهوريين، ويجب أن نجتمع حتى يتم حل تلك الأزمة»، ثم دعا الجميع إلى «تنحية السياسة جانبا بصورة مؤقتة».

ولكن بمحاولته لوضع نفسه في وسط المسرح، أقحم ماكين السياسة في الأمر، فالقضية الأولى على مدار الأسبوع التي اختلف حولها نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي هي ما إذا كان التدخل الصاخب من جانب ماكين يتسم بالجرأة، أم كان مجرد صخب متبجح.

أسلم طريقة لإخراج أي خطة إنقاذ عن مسارها هو بإقحام أوباما وماكين في تفاصيل المفاوضات. والسبب واضح وهو أن المرشحين الرئاسيين لن يتركا حملتيهما، خاصة أنه لم يبق سوى أقل من ستة أسابيع على الانتخابات. بل سيحولانه إلى طريق يمكن من خلاله تحقيق أكبر قد من الدمار. ولقد أظهر البيان المشترك للحملتين يوم الأربعاء المطالب الملحة للموقف وكان أفضل شيء يفعله أوباما وماكين هو إبعاد نفسيهما عن الأمر. نجح ماكين في تركيز الانتباه عليه، ولكن لم يكن ذلك بالضرورة بصورة جيدة، ،يمكن أن يرى الناخبون أن ذلك ليس تجسيدا للقيادة الشجاعة، بل هو مثال آخر على نهج جاهز «أطلق، صوب» الذي يعتمده ماكين في مواجهة أية أزمة. جعل نفسه في مركز الأحداث، وجعل الموقف كله حوله، ليس أكثر من تكتيك سياسي انتهجه. تلك هي طبيعته، وأنا أتساءل: ألا يشعر الأميركيون بالقلق حيال ما يمكن أن يقوم به رئيس منتخب يحب الظهور في الصورة دائما.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»