يرحمها الله ويرحمني أيضا

TT

لا أعرف دين القمر والشجر والزهر والبحر.. نحن نعجب بها ونتساءل ونتمنى ولا نسأل إن كان لها دين أو مذهب. وإنما نحن أمام لوحة بديعة أو سيمفونية ساحرة..

ورأيت فيها كل هذه المعاني وسمعت منها كل هذه الموسيقى. هي أيضاً قد درست الفلسفة وتعرف عدداً من اللغات ولها هدف. ولا أقول حسدتها أو حقدت عليها.. وإنما أقول غبطتها على هذه النعمة أو هذه النقمة. إذ كيف يعرف الإنسان طريقه ونهاية الطريق وما سوف يلقاه في هذه السن الصغيرة. لا بد أن العقل كبير ولا بد أن التضحية هي أهم وسيلة للمواصلات إلى ما تريد. كيف؟

ولم يكن لي طريق ولا عرفت هدفاً وإنما كنت أشبه بمن جلس إلى مائدة وراح يأكل هذا ويشرب هذا، دون أن يعرف أن كان هذا إفطاراً أو غداء أو عشاء.. وإن كان داعياً أو مدعواً، وأنهض من المائدة وأعود إليها.. وقد أراها ولا أقترب منها.. إنني فقط أرى وأتأمل وأحاول أن أجد معنى لكل ما أرى. وبس!

متفرج أنا؟ نعم. له هدف؟ لا.. فقط أن أشاهد وكانت «هي» مختلفة تماماً ورأيت أنها نصفي المفقود وأننا معاً شيء مختلف. ولكنها لا تريد أن تكون نصفاً لأي أحد. وإنما أن تكون هي هي.. لا هي + هو، ولا هي + هي.. ولا هي+ أنا.. وفجأة سافرت واختفت. وطال اختفاؤها.. أو غيابها. سألت قيل إنها في مدينة «.....» بإيطاليا. المسافة بالقطار طويلة.. والليل في القطار أطول من النهار والضوضاء والصمت والحيرة والدوشة حولي ورائحة الدخان والنبيذ والأطفال يبكون والرجال يتناقشون والنساء يضحكن.. وأنا مفقود بين الذي أسمعه والذي يدور ويدوخ في أعماقي. وانسدت نفسي عن الطعام والنوم ولعنت الفلسفة التي درسناها معاً.. واليوم الذي التقينا واتفقنا..وكانت صدمتي الكبرى أنها دخلت الدير.

وبعد سنوات وجدوها ميتة في فراشها.. لم تجد حلا لأزمتها فقالت لكل شيء: لا..

وهذا قبرها ومعي قسيس يقرأ على روحها ولم أعرف إن كنت أقرأ الفاتحة أو أحني رأسي وألقي الورد على قبرها.

يرحمها الله ويرحمني من بعدها!