الأولوية الأميركية تنتقل من إيران إلى باكستان

TT

في لقاء مع مسؤول اميركي مخضرم وقريب من البيت الأبيض، قال إن التركيز الاميركي، يجب ان يكون على باكستان وعلى «حماية الجيش الباكستاني بالذات»، واوضح ان كبار الجنرالات في الجيش الباكستاني من النوع الممتاز. لكن المشكلة في الضباط: «فهؤلاء تمت تكلفتهم بتدريب «طالبان» و«المجاهدين» زمن الاتحاد السوفياتي، وارتبطوا بالتالي بعلاقات وثيقة ومتشعبة معهم»، وقال «ان الادارة الاميركية لم تعرف التعامل مع الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشّرف، فانتهت باكستان تحت رئاسة آصف زرداري مع كل ما عُرف عن ماضيه. واعترف السياسي الاميركي بأن منطقة الحدود الباكستانية ـ الافغانية تشكل مشكلة كبيرة والادارة الاميركية على فصائلها غارقة في البحث عن حلول لها». وفي حديثه اوضح ان ايران ستصبح اولوية ثانية، خصوصاً ان الضغوط الاميركية والدولية والاسرائيلية، أخرت كثيراً من سرعتها في الانتهاء من برنامجها النووي، وقد دبت الخلافات بين مسؤوليها، فالرئيس محمود احمدي نجاد يريد الاستعداد للحرب، اما الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني فيطلب التروي «مع علمنا انه يراهن على تغيير الادارة والانسحاب الاميركي من العراق كي تعاود ايران استئناف برنامجها النووي بقوة من دون رقيب، كما يعتقد». كان لقائي بالسياسي الاميركي بعد يومين من التفجير الارهابي الذي لحق بفندق «ماريوت» في اسلام آباد، وقبل ايام قليلة من قرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي، الديموقراطي هوارد بيرمن، بأن يضع على الرف مشروعاً يدعو الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الى «شن» حصار بحري على ايران.

منتقدو القرار رأوا ان بعض العبارات الواردة فيه التي تبرر الحصار ضد ايران، قد تُعتبر عملاً حربياً في ظل القانون الدولي. وللانصاف، فإن ادارة بوش لم تتخذ اي موقف من هذا المشروع الذي وُضع في شهر ايار (مايو) الماضي، عندما وصلت اسعار النفط الى اعلى مستوى، وعندما كان الجنرالات الاميركيون قلقين من تدهور الاوضاع في افغانستان وباكستان ويعبرون عن معارضتهم الصريحة لأي عمل عسكري ضد ايران.

ولأن الطريق الى الاستقرار في افغانستان يمر من دون شك في باكستان وليس في العراق، فقد شكلت القيادة المركزية العسكرية الاميركية فريقاً ليضع استراتيجية تشمل الشرق الاوسط وآسيا الوسطى. وكان الجنرال دايفيد بترايوس طلب من مائة محلل عسكري وسياسي واكاديمي وضع تخمين استراتيجي حول اوضاع باكستان وافغانستان، يريد الاطلاع عليه قبل تسلم مهامه كقائد للقيادة المركزية نهاية الشهر الجاري، كما يشمل التخمين الوجود الاميركي في العراق والأخطار الايرانية.

ان اكبر مشكلة تواجهها الولايات المتحدة منذ بداية الحرب ضد المقاتلين المتشددين، كانت تردد باكستان في مواجهة الجهاديين بقوة. ويعود السبب كون اسلام آباد غير راغبة في تهميش «طالبان» في افغانستان، لأنها تراهم المفتاح الرئيسي لإعادة نشر نفوذها في افغانستان، وحتى بعد بروز «طالبان» باكستان واعلانهم الحرب على الحكم في اسلام آباد، ومسؤوليتهم عن عمليات انتحارية اودت بحياة كثيرين من بينهم رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، ظلت سياسة باكستان قائمة على التمييز بين عناصر مارقة من «طالبان»، والآخرين الذين تحت سيطرتها.

هذا الموقف الباكستاني المتذبذب، اضافة الى قناعة بعض السياسيين في واشنطن بأن اسلام آباد ليست جدية في التزاماتها كحليف في الحرب على الارهاب، دفع واشنطن الى قيامها منفردة بعمليات فوق الاراضي الباكستانية.

اعتقدت واشنطن بأن العملية الارهابية ضد فندق «ماريوت»، ستكون النقطة الفاصلة التي ستقرر بعدها الحكومة الباكستانية المواجهة الحقيقية مع «طالبانها» والجهاديين الذين يتخذون من الاراضي الباكستانية ملاذاً آمناً، خصوصاً ان هذا الهجوم وقع في منطقة جد حساسة من العاصمة، ففيها مقرات سكن رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وكبير القضاة، كما فيها البرلمان والمحكمة العليا، ومحطات التلفزيون والاذاعة، واغلبية الوزارات منتشرة في محيطها. ورغم حساسية ودقة هذه المنطقة استطاع «طالبان» باكستان تنفيذ هذا العمل الارهابي الكبير مما يدل على ضعف الحماية الأمنية في تلك المنطقة.

ان الحكومة الباكستانية كأنها في فخ، فهي تتعرض للضغوط الاميركية كي تتعاون في عمليات مشتركة في المناطق القبلية على الحدود، كما انها تتعرض لمعارضة داخلية كي لا تتنازل عن السيادة وتسمح لقوات اجنبية بالقتال على اراضيها. لكن، عملية فندق «ماريوت»، والمتوقع ان تليها عمليات اخرى، انتهكت «السيادة» التي تتمسك بها الحكومة. ثم ان تلك العملية كشفت عن ان المراهنة على استعمال «طالبان» كحصان لاستعادة النفوذ في افغانستان، قد تنقلب على الحكومة الباكستانية وتتحول هي حصاناً تمتطيه «طالبان» و«القاعدة»، لزعزعة الاستقرار في وسط آسيا.

وهكذا، بعد عملية «ماريوت»، اطلقت القوات الباكستانية النار على طائرة اميركية من دون طيار، وكشف هذا الامر التوتر وخطورة تدهوره ما بين واشنطن واسلام آباد. حدث ذلك اثناء القاء الرئيس الباكستاني الجديد كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفيها لمح الى ان باكستان قبل حاجاتها العسكرية لمواجهة الارهاب، تحتاج الى خطط اقتصادية داعمة وفرص مالية، فهي قبل اميركا، تواجه الحرب على الارهاب.

الثقة بين الطرفين غير متوفرة، فعلى الجانب الباكستاني تقوم دوريات «فيلق الحدود» بالسهر، حسب طريقتها على المنطقة الحدودية. وأفراد قوات الفيلق يتمتعون بولاء قبلي غير محدود، وهذا يدفعهم الى اطلاق النار بكثافة في محاولة لإسقاط اي هدف اميركي يقترب من حدود باكستان. من ناحية القوات الاميركية، فإنها بدورها تستطيع الرد بقوة اذا ما أُطلقت النار عليها، على اساس انها تدافع عن نفسها. وكان وزير الدفاع الاميركي روبرت غايتس، قال الاسبوع الماضي امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، ان ميثاق الامم المتحدة يسمح للولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها ضد الارهاب الدولي في باكستان، اذا عجزت الحكومة الباكستانية او كانت غير راغبة في معالجة ذلك الخطر. المحللون العسكريون يقولون، ان باكستان تحولت الى ساحة معركة من قبل الجهاديين بين الاسلاميين لضرب المصالح الاميركية قبل ان تنهي الآلة العسكرية الاميركية استعداداتها للهجوم على قواعد «القاعدة» و«طالبان» على الحدود. ويضيفون ان الاستراتيجية التي يتم اعدادها وسيراجعها الجنرال بترايوس، سيتم تطبيقها في بداية عام 2009، وإن كانت بدأت فعلاً بتنسيق بين القيادة العسكرية الاميركية والقيادة العسكرية الباكستانية. فعلى بعد عشرين كيلومتراً من اسلام آباد يقع مقر قيادة قوات العمليات الخاصة الباكستانية، وهناك هبط اخيراً 300 مسؤول اميركي بصفة «مجموعة تدريب استشارية». وتجدر الاشارة الى انه في منتصف التسعينات ابان حكومة نواز شريف، اقامت في ذلك المقر وحدة تابعة لجهاز لـ«سي.أي.ايه»، مهمتها تعقب اسامة بن لادن والقاء القبض عليه، وهذه الوحدة غادرت بعد انقلاب مشرف عام 1999.

في ذلك الوقت، وبالتحديد عام 1998، كان فندق «ماريوت»، بمثابة مقر رئيسي لـ«طالبان»، وكنت التقيت عدداً منهم اثناء اقامتي في ذلك الفندق.

الآن، وحسب التقارير، فقد اشترت الولايات المتحدة قطعة ارض بالقرب من مقر قيادة العمليات الخاصة الباكستانية، وبدأت شحنات اميركية تصل الى المنطقة من دون ان يُسمح للباكستانيين بتفتيشها. البعض يقول ان الاميركيين بدأوا الاستعدادات لشن هجوم شامل على المناطق الحدودية ضد معاقل «طالبان» و«القاعدة»، ويتوقعون وصول قوات اميركية، وقد يكون الجنرال بترايوس استبق المكلفين وضع استراتيجية، بخطة شبيهة بالخطة التي وضعها في العراق، حيث شتت مقاتلي «القاعدة»، واستبدلهم بفرق «الصحوة». وتردد في باكستان ان هناك تحركاً لتنظيم قوات محلية في مناطق البشتون لمواجهة «طالبان» وحلفائهم من «القاعدة».

ليس معروفاً الحد الذي يمكن عبره لباكستان من مواجهة الجهاديين. انما الواضح ان تدمير «الماريوت» اظهر ان اسلام آباد لا يمكنها البقاء في موقع المدافع، ثم انها لا تستطيع ان تفرض سطوتها على المناطق الحدودية، من دون ان تخفض عدد قواتها في مواجهة الهند. اما الولايات المتحدة فإنها في مرحلة انتقالية وتواجه مشاكل اقتصادية ومالية، وقد تستنبط الدولتان من الضعف قوة لسحب البساط من تحت اقدام «طالبان» و«القاعدة».

يمكن للوضع في باكستان ان يزداد سوءاً قبل اي امل بالتحسن، لكن الثمن سيكون باهظاً، وعلى الرادار الاميركي صارت باكستان في المكان الاول.