إفطار في كنيسة

TT

ذكرت قبل أيام كيف تناولت إفطار رمضان العام الماضي مع يهودي عراقي في بيت عائلة مسلمة. في رمضان هذه السنة تناولته في كنيسة إنجليزية. كنيسة سان اثلبرغر بناء كرسته الكنيسة الانغلانية الإنجليزية كمعبد للسلام وحوار الأديان ولقاء المؤمنين وغير المؤمنين.

قررت إدارة هذه الكنيسة في هذا العام إحياء ليلة القدر بين جدرانها فدعت سائر المسلمين وغير المسلمين للاحتفال بهذه الليلة الرمضانية المتميزة فيها. اكتسب المبنى جوا روحيا خاصا بعد أن أزالوا المقاعد منه وفرشوا أرضيته بالسجاد والوسائد والمنادر والصينيات النحاسية على النحو الشرقي. افتتحت الجلسة راعية الكنيسة، الفاضلة جوستين، بكلمة هنأت فيها المسلمين بالشهر المجيد ودعت الله قبول صيامهم وصلاتهم. وكانت قد احترمت مشاعرهم بإزالة الصليب من صدر الهيكل. تلتها قراءات من الذكر الحكيم والسنة النبوية. ثم أذن لصلاة المغرب. «ضموا الصفوف يرحمنا ويرحمكم الله. النساء إلى الوراء رجاء».

ودارت الفاضلة جوستين بأطباق التمر على الحاضرين ثم دعتهم لتناول الإفطار في رواق الكنيسة، حيث جادت عوائل المسلمين بشتى الأكلات الوطنية الرمضانية. سبزي ودجاج فسنجون من إيران، دولمة من تركيا، شوربة عدس من سوريا وفلافل وفول من مصر وحلويات من لبنان... الخ.

أفطرنا وتقهوينا وجلسنا لنستمع إلى فرقة صوفية من مسلمي ومسلمات باكستان تنشد أناشيدهم الدينية ومدائحهم النبوية بالأوردو، يهزون برؤوسهم على ضربات الدف والطبول وأوتار العود ويتثنون بأجسامهم اللدنة على عادة الدراويش ويرددون تلك الكلمات الخالدة: «لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! لا إله إلا الله...».

تلتهم فرقة من مسلمي ومسلمات أفريقيا الشرقية تنشد وتردد على ضربات الطبل: «الله أكبر! الله أكبر! ...» واستجاب الحاضرون لإيقاع طبولها وكلماتها فراحوا يهزون بأجسامهم ورؤوسهم، يمينا وشمالا... أماما ووراء.

تقدمت الفاضلة جوستين لتعلن أن الكنيسة ستبقى مفتوحة طوال تلك الليلة المقدسة وستسهر وتبقى فيها مع آخر مسلم يسهر الليلة متعبدا في الخيمة التي أقيمت في حدائق الكنيسة وفرشت بالسجاد. ثم انقسم الحضور إلى حلقات يتلقون فيها باللغة الإنجليزية من إنجليز اعتنقوا الإسلام شيئا عن مبادئ الدين الحنيف وطقوسه وتراتيله وتلاواته.

كنت قد دعوت سيدة يهودية عراقية، السيدة نيران بصون تمن لحضور الإفطار فاعتذرت وقالت، ما أنا بين هذا الجمع الإسلامي وأنا امرأة يهودية؟ قرأت مقالتي عن رمضان السنة الماضية فبعثت لي برسالة ايميل تعرب عن ندمها وأسفها على عدم الحضور. ولا يهمك يا عزيزتي نيران. فسيكون هناك رمضان آخر ورمضانات ما بقي المسلمون على هذه الأرض ولم يدمر الإرهابيون والمتشددون وجودهم وحضارتهم.

www.kishtainiat.blogspot.com