التطهير ثم الفطرة السليمة

TT

ذهب وزير الخزانة هنري بولسون إلى الكونغرس من أجل الحصول على 700 مليار دولار. وتلقى توبيخا قاسيا. والآن، إن 700 مليار دولار مبلغ كبير، والكونغرس يتحمل مسؤولية الثقة التي يمنحها له الشعب لذا يجب أن يتأكد من أن الأموال التي يعتمدها تستخدم في أغراض مفيدة. ولكن من خلال مطالب الكونغرس لقائمة تفصيلية بمقابل هذا المبلغ، ستظن أن بولسون كان يريده من أجل انتفاعه الشخصي.

في الحقيقة، بولسون سيغادر منصبه قريبا. ففي خلال أربعة أشهر سيرحل عن الوزارة. وهو يطالب بالأموال ليس من أجل تعظيم ذاته، بل من أجل نفس السبب الذي يطالب به رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانك والأسواق أيضا: وهو منع سقوط الاقتصاد الأميركي في الهاوية.

قد يحقر البعض من هذا التقدير ويقول إنه افتراضي. ولكن يعتقد بولسون وبرنانك، اللذان أمعنا النظر في الأزمة يوم الخميس الأسود (18 سبتمبر ـ أيلول)، خلاف ذلك. إنهما ليسا معصومان من الخطأ، ولكن يقتضي الحذر عدم المخاطرة بالاقتصاد في رهان معاكس.

يجب على الكونغرس أن يكون حريصا في التعامل مع أموال دافعي الضرائب، وأن يقترح تعديلات على خطة الإدارة. ولكن كان جزء من رد فعل الكونغرس غير متعلق بتعديل الاقتراح، بل بتهدئة غضب الناخبين، حتى لو عرض ذلك فرص الخطة في النجاح للخطر، إما بإضعافها أو وضع شروط معقدة فقط حتى تبدو وكأنها ملصقة بالأغنياء.

على مدى عقود، بدءا بقانون مجتمع إعادة الاستثمار في عهد جيمي كارتر عام 1977، كانت هناك اتفاقية جمعت بين الحزبين لاستخدام السلطة الحكومية لتوسيع نطاق ملكية المنازل بحيث تضم الأشخاص الذين استبعدوا لأسباب اقتصادية، أو في بعض الأحيان لأسباب تتعلق بالتمييز العنصري والعرقي. هل هناك قضية أكثر قيمة من هذا؟ ولكنها أدت إلى ضغط هائل على شركتي فاني ماي وفريدي ماك، وهو ما ضغط بدوره على البنوك والمقرضين الآخرين، من أجل تمديد الرهن العقاري للأشخاص الذين يقترضون مبالغ تفوق إمكانياتهم المالية. وهذا ما يسمى بالإقراض ذي نسبة عالية من المخاطرة. إن هذا هو أساس كارثتنا الحالية.

هل كان هناك بعض المقرضين الناهبين؟ بالطبع. ولكن شخص أحمق أو غوغائي، أي مرشح رئاسي، هو من يقول إن هذا جزء كبير من المشكلة.

هل كان هناك سوء تصرف في وول ستريت؟ هذا الفعل ستعاقب عليه العدالة. ولكن لماذا ننتظر حتى تحل العدالة؟ إذا كان تطهير الذات سيسمح بعودة الوطنية إلى الكونغرس، بعقد صفقة إنقاذ نظيفة حقيقية للاقتصاد، فلنفعلها.

إن وضع حد أقصى لرواتب المديرين عبث. ما نحتاج إليه هو معاقبة بعض النماذج عقاب علني أمام التلفزيون. فليتم اختيار بعض الشركات المفلسة، ووضع مديريها في الأغلال عبر وديان مانهاتن لإرضاء العامة. وقبل إعلان الأحكام تعرض النيران مع تغطية تلفزيونية على الهواء طوال 24 ساعة ليعلنوا فيها عن أخطائهم، وأسفهم، وتعرض زياراتهم الأخيرة لأسرهم. ستتفوق نسبة مشاهدة هذه التغطية على نسب مشاهدة «أميركان أيدول»، وسيعوض عائد الإعلانات وحده الـ700 مليار دولار.

هكذا سنفعل كل ما في وسعنا لتبرئة ذمتنا.

*خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»