بوش يصوغ عملية تسليم السلطة

TT

تعتبر الحرب التي يمكن الفوز بها مصدر قوة بالغ القيمة لمن يخوض سباق الترشح الرئاسي، فهي تعمل على نشر الأمل وتعمل على تفادي تكبد الخسائر المدوية في سباق الحملات الانتخابية. وبالنسبة لباراك أوباما، فإن الحرب التي أشار إلى أنه يمكنه الفوز بها هي أفغانستان. أما جون ماكين، فقد زعم نفس الشيء ولكن في العراق.

وقد توصل كلا المرشحين الانتخابيين إلى تقييماتهما المختلفة عبر الحسابات السياسية والتحليلات العسكرية الميدانية. وقد أصبح هذا الشيء أمرا متعذر الاجتناب في سياسات العصر الحديث، فكل مرشح انتخابي ينهمك في صور تصورية مثابرة ومتواصلة بشأن صراعات وحروب لا يمكن له حتى السيطرة عليها في ذلك الوقت نظرا إلى خوضه حربا من نوع آخر للفوز بالانتخابات.

لقد جذبت العديد من القضايا الأخرى ـ مثل قضية تحول الاقتصاد الأميركي ـ في الأيام الأخيرة الانتباه بعيدا عن أمور الحرب والسلام. إلا أن التفجيرات الشديدة التي حدثت في كل من اليمن وباكستان الأسبوع الماضي توضح أن «القاعدة»، وطالبان، وباقي الخلايا والتنظيمات التابعة لهما ما زالت تريد، بل وقادرة على التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية وبشدة. إن الحملات السياسية والعسكرية تتداخل وتتشابك في المناطق السيئة الحكم في الشرق الأوسط الكبير. كما أن تلك الحملات تتفاعل ويشكل كل منها الآخر بالطريقة التي نادرا ما يدركها أو يعيها المقترعون، إلا أنهم يتفاعلون معها بصورة غريزية. فالمرشح الذي يتمكن من الجدال بطريقة أكثر إقناعا بأنه هو من يعرف كيفية تهيئة وتركيز الجهود العسكرية غير المنظمة للقضاء على التهديد النابع من الإرهاب الجهادي عالميا سيحظى بميزة مهمة في إطار السباق الانتخابي. إلا أنه حتى الآن يفتقر كل من ماكين وأوباما لهذه الميزة.ففي الشهور الأخيرة، حاول البيت الأبيض ـ إلى جانب البنتاغون ـ جاهدا تفادي حدوث أي إخفاقات أو فوضى من شأنها إحداث حالة من الشلل خلال عملية الانتقال المقبلة للسلطة وذلك عبر الامتناع عن إقرار أي سياسات تتعلق بالعام المقبل، ومن هنا كانت فكرة تخفيض أعداد القوات في العراق، وزيادتها في أفغانستان، وتنفيذ عمليات عسكرية عبر الحدود الباكستانية.

وتم تنفيذ هذه الاستراتيجية الثلاثية الأبعاد خلال الاجتماع الذي جرى يوم 23 يوليو (تموز) الماضي، وضم بوش ووزير دفاعه روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان العامة المشتركة، وجرى هذا الاجتماع في حجرة خاصة مؤمنة لاجتماعات قادة الأركان في البنتاغون. ويقول أحد مسؤولي البنتاغون إن القليل للغاية هم من تم استثناؤهم من الاجتماع «الذي كان محدودا من حيث عدد الحضور..».

إلا أن شكل وماهية القرارات التي اتُخذت في هذا الاجتماع قد اتضحت من قرار إرسال حوالي 5000 جندي أميركي إلى أفغانستان والذين كان من المقرر لهم أن يتم نشرهم في العراق في غضون الأشهر الخمس المقبلة. هذا بالإضافة إلى أن هناك حوالي 3000 جندي أميركي سيغادرون العراق عائدين إلى الوطن في نفس تلك الفترة.

لقد اعتقد كل من ماكين وبترايوس أن الشعب الأميركي سيتسامح تجاه الصراعات العسيرة التي يخوضها الجيش الأميركي في الخارج، طالما أنهم مدركين ومتفهمين أن قادتهم يعرفون ما يصنعون. ولم يؤد هذا الظن فقط إلى ارتفاع أعداد الضحايا التي كانت سببًا في الماضي إلى تحطيم التأييد الداخلي أيام حرب فيتنام بنهاية حقبة الستينات، وإنما أدت أيضا إلى انتشار شعور غير مبرر بصورة كبيرة بين الشعب الأميركي بأن القادة العسكريين الأميركيين في هذا الصراع لم يكونوا على مستوى عالي من الكفاءة. كما ظهر التوجه الجديد الذي انتهجه بوش إزاء باكستان بعد اجتماع 23 يوليو (تموز)، واستقالة برويز مشرف في 18 أغسطس (آب)، والذي دأب بوش على حمايته بالرغم من إخفاقه في السيطرة على المناطق الحدودية القبلية والتي استخدمتها القاعدة وطالبان كملاذات آمنة لشن حملتهما المشتركة الهادفة إلى إضعاف وإفقاد أفغانستان لاستقرارها.

وقد أدى استبدال مشرف بحكومة مدنية لا يمكن التعويل عليها، والتي بدورها أضعفت من السيطرة على الجيش الباكستاني والأجهزة الاستخباراتية الباكستانية التي لا يمكن التعويل عليها هي الأخرى إلى زيادة الغارات الأميركية على المناطق الحدودية الباكستانية، والأكثر أهمية من ذلك هو الإعلان عن استعداد الولايات المتحدة لشن مثل تلك الغارات بعد أن كانت تتم بصورة عرضية وسرا منذ عام 2002.

وكان الهدف من تلك الغارات هو ممارسة ضغوط شديدة على الحكومة المدنية الجديدة ـ عبر الزيارات المعلنة للقادة الأميركيين، والمهام التي تُنفذها طائرات البريديتور والمشاة الأميركيين والمعلن عنها هي الأخرى ـ لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن تلك الملاذات الإرهابية بأنفسهم أو مواجهة مغبة حدوث اضطرابات كبرى هناك والتي ستنبع من العمليات الأميركية المتكررة. وقد أسفرت مثل تلك الضغوط على مشرف سابقا في حمله على بذل الكثير من الجهود.

قد يكون هذا التغير الذي قام به بوش متأخرا وقليلا للغاية تجاه باكستان، لكنه أضفى نوعا من الشرعية والمصداقية على الوعد الذي تعهد به أوباما في حملته الانتخابية عن استعداده للتصرف ولو بصورة منفردة على المناطق الحدودية الباكستانية إذا ما كان هذا الأمر في صالح الأمن الأميركي.

إن العملية الإرهابية الشنيعة التي تمت في إسلام آباد يوم السبت الماضي تعتبر تحذيرا لكل من الحكومة الباكستانية الجديدة وللناخبين الأميركيين المتحيرين: بأن خليفة بوش ـ أيا كان ـ سيرث حربا متعددة الجبهات، وأن عليه أن ينال تلك الحروب في الحقيقة مثلما ينال الخطابات.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»