عيد سعيد

TT

قد تكون المهمة «الأخطر» في العالم اليوم أن تكون صحفيا في العالم العربي ومن ثم تصاب بلوثة في الدماغ، لوثة من النوع الفاخر جدا طبعا، وتقرر إنشاء محطة فضائية وتستمر في اللوثة بشكل متطـور أكثــر وتقرر أن يكون من بين موادك البرامجية حلقات لشخصية «ميكي ماوس» الكرتونية.. إذا كان من شخص أقدم على ذلك عليه إبلاغ أحبابه أنه يريد منهم أن يرسل اليه بوكيه الورد الخاص بالتعازي! وهناك أيضا مهمة مستحيلة وهي مسؤولية الملف القضائي والعدلي بالسودان والمتعلقة تحديدا بالنظر في قضايا دارفور والتجاوزات التي حصلت فيها، والأدلة الدامغة فيه تشير بوضوح لتجاوزات المتهمين وتورطهم الدامغ في الجرائم الفاضحة، أو أن تكون رجل دين تحاول أن تشرح للناس ما هو معلوم من أن «الدين أكرم المرأة، وأنه لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى، وأن الدين يدعو للوسطية والتسامح، وأنه ينبذ العنف والتطرف والتنطع والتشدد»، كل هذه الحقائق المعروفة بعيدة تماما عن حيز التطبيق العملي، فالواقع الاجتماعي والفكري هو غير ذلك تماما. الاستحقاقات الحقوقية والتجاوزات القانونية وعلى أصعدة مختلفة لا تزال مثيرة للقلق ولا يمكن التعاطي معها بسهولة وخفة لأنها بمثابة أجراس إنذار لما قد يكون قادمــا، هــا هي جنوب أفريقيا تسلم سدة الحكم فيها الى ثالث رئيس فيها بعد انقضاء فترة الحكم العنصري (أبارتايد)، وكل ذلك يتم بطريقة سلسة وديمقراطيـة جدا بالرغم من وجود إثنيات وأقليات مختلفة وأديان متنوعة وفقر وثراء ، ومع ذلك تواصل هذه الدولة تكريس العيش الاجتماعي السوي والمشترك وتستعد لاطلاق نفسها بقوة على المسرح الدولي حين تستضيف كأس العالم وذلك لأول مرة في أفريقيا عام 2010 وهي دروس من الممكن أن تستفيد منها أكثر من دولة عربية وخصوصا العراق ولبنان، وشتان الفارق! مفهوم الدين لا يزال مسألة غير بسيطة في العالم العربي، فالكل يعتقد بوجوب تثبيت مكانته وتأسيس القوانين بناء عليه ولكن في تفاصيل تنفيذ ذلك يكمن الجدل، فالمصدر دائما هو الكتاب والسنة (ولا غبار في ذلك) ولكن أي التفاسير للكتاب يتم اعتمادها؟ وهل يتم اعتماد النص فقط أم الدخول في مقاصد الشرع ومعرفة المصلحة العامة من جراء التشريع؟ إنها اسئلة شديدة التعقيد ولم يتم حسمها، وأي حسم سيتم لصالح «رؤية» معينة على حساب أخرى . الأديان جميعها أتت لإحلال العدل وإزالة الظلم وتأسيس العيش بكرامة مع الايمان بالله ، فهذا هو التطبيق العملي لمفهوم «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» وهو المفهوم المكرر دوما في القرآن الكريم وأي تفسير أو تطبيق لا يضمن هذا المفهوم فهو مرفوض لانه باختصار سيكون اجتهادا بشريا ناقصا لا يؤخذ به.

عيدكم سعيد وعمركم مديد.

[email protected]