المناظرة: موازنة الميزانية

TT

قام جيم ليهرر بعمله المعتاد كمحاور معتدل، لكنه في واحد من أسئلته الذي كرره مرات عدة عبر عن وجهة نظر اقتصادية تتمتع بشعبية غير كبيرة بين صناع الرأي. وكان السؤال الذي وجه إلى كلا المرشحين: ما هو الشيء الذي يمكنه التخلي عنه من قائمة رغباته في برامجه الانتخابية، إذا ما تولى منصب الرئاسة، في الوقت الذي سيصل العجز في الميزانية، والذي سيتضخم بسبب خطة الإنقاذ المالية التي سيقرها الكونغرس، إلى حد كبير جدًا.

وقد فشل سؤال ليهرر في مراعاة نقطة غاية في الأهمية وهي أن الولايات المتحدة ستكون، في الغالب، في وسط ركود اقتصادي سيئ جدًا عندما يتولى الرئيس القادم الإدارة الجديدة، ولن تؤدي معادلة الميزانية تحت تلك الظروف إلا إلى جعل الركود الاقتصادي أكثر سوءًا، فستنخفض الوظائف المتاحة في الولايات والمدن أكثر مما هي عليه الآن، وسترتبط استثمارات القطاع الخاص القليلة باستثمارات القطاع العام البسيطة أيضًا.

ولكي نكون منصفين، ربما كان ليهرر يحاول تصيد إجابة ما، لكن الاعتقاد هو أن معادلة الميزانية ستكون المهمة الأولى بالنسبة للرئيس القادم هو بالفعل موضع مطروح في المقالات الافتتاحية لكبرى الصحف الأميركية. ولكن هل تناسى قادة الرأي في الولايات المتحدة الدروس التي خرجنا بها من الكساد بصورة كاملة؟ ألا يعلمون أن خفض الإنفاق الحكومي نظرًا لتراجع الدخل الذي أعقب انهيار عام 1929، ساهم هربرت هوفر في تحويل ذلك الركود إلى الكساد الاقتصادي الكبير ـ جريت رسشن ـ ؟ وما أشبه الليلة بالبارحة، إن معادلة الميزانية لهو أسوأ علاج ممكن لدولة لا تستطيع منح أبنائها وظائف وترى الملايين منهم يفقدون منازلهم.

أضف إلى ذلك إن محاولة الهوس بمحاولة معادلة الميزانية يفشل في أغلب الأحيان في التفريق بين الإنفاق العام الذي يقوي دعامة الاقتصاد ويجعله أكثر قابلية للمنافسة وخفض الإنفاق والضرائب التي لا تؤدي إلا إلى عكس ذلك. وقد يبدو للمرء أن بإمكانه معادلة الميزانية عبر خفض الإنفاق على التعليم لكن ذلك سيخلق قوى عاملة غير قادرة على المنافسة مع الدول الأخرى. وقد أوضح باراك أوباما، خلال إجابته على سؤال ليهرر، أن الاستثمار في الطاقة البديلة والبنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم سيجعلنا أكثر قدرة على المنافسة، لكنه لم يوضح ذلك بالقدر الكافي لمواجهة افتراضات معادلة الميزانية. وعلى النقيض من أوباما لم يقدم ماكين ذلك الطرح على الإطلاق، فأشار إلى أنه قد يلجأ إلى الاعتراض على كل مشروعات قوانين الإنفاق ـ ربما يكون قد أخطأ بقوله هذا لكن من المحتمل أنه كان يقصد ما قاله.

من الواضح، أن الموقف الاقتصادي الذي نعانيه الآن، أكثر تعقيدًا من فترة الكساد الكبير، فقد فشل القطاعان العام والخاص في الاستثمار في الصناعة الأميركية والعمال وهو ما أصبح أمرًا كارثيًا، لكن على النقيض من الآن ففي فترات الاقتصاديات القومية لم يثن الكساد المستثمرين عن البحث عن صناعات أكثر تنافسية وعمالة في دول أخرى غير أنه في اقتصادي اليوم العالمي الذي يتداخل مع بعضه البعض فشلنا في الاستثمار في تحديث صناعاتنا والبنية التحتية والقوى العاملة مما يهد بمخاطر محدقة بنا. وإن لم يتجه القطاع الخاص إلى الاستثمار في تلك النوعية من التطورات فإن مصارفنا وشركاتنا ستضع ذلك في دول تفعل.

هناك القليل من الدلائل على أن ماكين فكر بتلك الأمور، لكن باراك أوباما فعل ذلك بصورة واضحة، وبناء على أدائه في المناظرة الماضية، فإننا لن نراهن على إمكانية تبنيه معادلة الميزانية في المناظرات القادمة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»