الشبكات العلمية.. وعلماؤنا بالخارج

TT

لم تعد العلوم والتكنولوجيا بمفردها كافية لتحقيق التقدم والرقي، بل لابد من توافر أيضاً العقول البشرية المفكرة والمبدعة، وأوضح مثال على ذلك، عقلية مؤسس شركة مايكروسوفت الأميركي «بيل غيتس» في تجارة برامج الكومبيوتر، ولهذا فقد أصبحت تجارة واستثمار العقول المبدعة، من القضايا المهمة لدى الدول المتقدمة، وقد ساعدت المغريات المادية العالية والإمكانات العلمية والبحثية الهائلة في الدول المتقدمة على جذب أعداد كبيرة ومتزايدة من العقول العلمية المبدعة ـ وبخاصة العربية منها ـ فهناك البيئة العلمية الخصبة للعمل والإبداع، بعيداً عن قصور الإمكانات وأعداء النجاح والبيروقراطية القاتلة للكفاءات.

علماؤنا المبدعون بالخارج ـ على اختلاف تخصصاتهم ومهنهم النادرة ـ والذين يقدر عددهم بالآلاف، يمثلون ثروة قومية حقيقية لأوطانهم، إن أحسن استغلالهم والاستفادة منهم، وقد ساهم هؤلاء العلماء بإنجازاتهم المبدعة في تحقيق نهضة علمية متميزة لحضارة الغرب.

يقول ريفين برينر Reuven Brenner أستاذ الاقتصاد في جامعة ماكجيل الكندية McGill University، في كتابه عام 2001 بعنوان «القرن المالي The Financial Century»، بأنه في ظل اقتصاد العولمة سيذهب البشر والأموال الى حيث يمكنهم أن يكونوا مفيدين ومربحين، ففي كل عام يغادر ما يقدر عددهم بنحو 1,8 مليون من المتعلمين ذوي المهارت من العالم الإسلامي الى الغرب، وإذا افترضنا أن تعليم أحد هؤلاء المهاجرين يكلف في المتوسط عشرة آلاف دولار، فإن ذلك يعني تحويل 18 مليار دولار من الأقطار الإسلامية الى الولايات المتحدة وأوروبا كل عام.

وقد قدمت الحضارة العربية الإسلامية والعقول العلمية العربية بالخارج ـ ومازالوا يقدمون ـ الكثير من الإنجازات والإبداعات العلمية لحضارة الغرب بشهادتهم أنفسهم.

ففي رسالة وصلتني ـ عبر البريد الإلكتروني ـ من العالم الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأميركية، قال فيها إنه في حفل الإفطار الرمضاني الذي أقامه الرئيس الأميركي بوش في البيت الأبيض أخيراً لسفراء الدول العربية والإسلامية وحضره مع مجموعة من علماء العرب البارزين في أميركا، أشاد الرئيس الأميركي بدور الحضارة الإسلامية والعلماء العرب الأميركيين في مختلف النواحي العلمية. كما أن المتحف القومي للعرب الأميركيين Arab American National Museum الذي أفتتح في مايو عام 2005 في ولاية ميتشغان وبلغت تكاليفه 15 مليون دولار، وموقعه الإلكتروني على الإنترنت (www.arabamericanmuseum.org)، يسلط أيضاً الضوء على إنجازات وإبداعات علماء العرب الأميركيين في مختلف مجالات العلم والمعرفة.

كما أن الإعلام الغربي يطالعنا يومياً بالعديد من إنجازات وإبداعات علمائنا العرب بالخارج، بينما للأسف قد لا تعلم أوطانهم عنهم وعن إنجازاتهم الكثير، وذلك نتيجة قصور أو تقصير الإعلام العربي في تغطية ومتابعة علمائنا وإنجازاتهم، فقد تقتصر التغطية في إعلامنا على خبر قصير قد لا يلتفت وينتبه اليه الكثيرون، فعلى سبيل المثال حصل عالم الكيمياء المصري الأميركي البروفيسور مصطفى السيد، مدير معمل ديناميكيات الليزر بمعهد جورجيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، على أرفع وسام علمي أميركي في مجال الكيمياء بمفرده ـ ميدالية العلوم الوطنية الأميركية لعام 2007، هذا الخبر العلمي المهم تناولته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الغربية ومواقع الإنترنت العالمية بالتفصيل والحديث عن إنجازاته العلمية المبدعة والتي منها أبحاثه المهمة والمتميزة حول استخدام النانوتكنولوجي في تشخيص وعلاج أمراض السرطان، بينما للأسف هذا الحدث العلمي العالمي المهم لم ينل من إعلامنا العربي ما يستحقه من تغطية ومتابعة.

ومن أهم الشبكات العلمية بالخارج، شبكة العلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج (استا) Arab Scientists and Technologists Abroad(ASTA)، التي يرأسها عالم الفيزياء والنانوتكنولوجي العربي الأميركي البروفيسور منير نايفة في جامعة إلينوي الأميركية في إربانا ـ شامبين ومؤسس ورئيس «شركة نانوسيليكون» وموقعها على الإنترنت ( www.nanositech.com).

خلاصة القول، لقد أصبحت هناك ضرورة عاجلة لإنشاء شبكات علمية متميزة على شبكة الإنترنت وتفعيل دورها ودعمها من قبل المستثمرين ورجال الأعمال ومؤسسات ومراكز البحث العلمي، تكون مهمتها الأساسية تحقيق التواصل الفعال ما بين العلماء في الخارج وأوطانهم، ومن بين أهدافها أيضاً الحصر الدقيق للكفاءات العلمية العربية في الخارج، والتعريف بعلمائنا العرب وإنجازاتهم المتميزة، والربط ما بين العلماء والتكنولوجيين في الخارج والمستثمرين العرب، والتعريف بالمجالات العلمية الحديثة المهمة والضرورية لعالمنا العربي، وكذلك المساهمة في تسهيل وتحقيق التعاون والتبادل العلمي بين العلماء في الداخل والخارج، وأيضاً تنمية الوعي العلمي وتقدير قيمة العلم وجهود العلماء.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية