عنتر حامل سيفه

TT

في لندن ذهبت مع أحدهم إلى السينما لحضور أحد الأفلام، بناء على اقتراحي، حيث أنني سمعت وقرأت عن ذلك الفيلم، خصوصاً أن مخرجه وممثليه كلهم من الأكفاء المشهورين.

كان الفيلم من النوع المثير، وفيه من مشاهد العنف ما يكتم الأنفاس ويثير المشاعر والفزع.

وعند منتصف الفيلم وفي أشد المراحل إثارة، أصابني بدون سابق إنذار أو توقع نعاس شديد، وكلما حاولت أن أرفع رأسي وأفرك وأفتح عيني، ازداد النعاس ثقلاً، وليس هناك أسوأ من أن يحاصرك هذا الشعور وأنت لا تستطيع الفكاك منه أو الخروج من دائرته.

وأصبحت أصوات الممثلين والموسيقى التصويرية والزعيق والتخبيط والانفجارات تشكل إزعاجاً وضغطاً رهيباً على أعصابي، إلى درجة أنني خفت على نفسي من الفضيحة.

فما كان مني إلاّ أن أهمس بأذن رفيقي بصوت متلعثم قائلاً: أنا نعسان أريد أن أنام، وقبل أن أسمع رده قلت له: إنني أريد أن أذهب وأغسل وجهي، وانتظرك في الخارج بعد أن تنتهي من مشاهدة الفيلم، وخرجت ولا أدري كيف خرجت.

وعندما صفع الهواء البارد وجهي، وجهرت عيوني أضواء (البيكدلي سيركس)، ودغدغت غرائزي رؤية بعض الصبايا وهنّ يأكلن (الآيس كريم) في هذا الجو البارد، عندها بدأت جحافل النعاس تهرب على دفعات من داخل جمجمتي، وإذا بي أعود مثلما كنت: عنتر حامل سيفه.

* * *

التقيت بصحافي أعرفه، وأنتم تعرفون حال بعض الصحافيين وثرثرتهم التي لا تنقطع، والحمد لله أنني لم أكن يوماً صحافياً ولا أنفع لذلك، لكنني في نفس الوقت أعجب بصبرهم وكدّهم وإبداعهم وطول بالهم.

ذلك الصحافي (أخذني بالهرجة) مثلما يقولون، ودون أن أطلب منه ذلك، ضحك في وجهي قائلاً: تصور أن فتاة اتصلت بي في الجريدة، وكانت تبدو في منتهى التعاسة، وتريد مني أن أساعدها بالرأي في اتخاذ موقف على ضوئه سوف يتقرر مصير علاقتها مع رجل تحبه.

وسألتها بكل جدية عن شخصية ذلك الرجل: هل هو حسَن المعشر، أم كثير المطالب؟!، قالت: كثير المطالب.

ـ هل هو مرن، أم عنيد؟!، قالت: عنيد.

ـ هل هو هروبي، أم رابط الجأش؟!، قالت: هروبي.

ـ هل هو خجول، أم جريء؟!، قالت: خجول.

ـ هل هو مشبوب العاطفة، أم فاتر القلب؟!، قالت: فاتر القلب.

ـ هل هو متقلب مزاجي، أم ثابت راسخ؟!، قالت: متقلب مزاجي.

ـ هل هو متمسك بالتقاليد، أم داير على حلّ شعره؟!، قالت: داير على حلّ شعره.

عندها قلت لها: أنصحك يا بنت الناس اتركيه دون أسف أو تردد، ويبدو أن نصيحتي لم تعجبها، لأنها أغلقت السماعة بوجهي قائلة: أعوذ بالله منك.

وبعد أن مر على تلك المكالمة ما يقارب شهر، اتصلت بي أمس قائلة لي جملة واحدة: لقد تزوجت حبيبي، ونصيحتك التي ذكرتها (بلّها واشرب مويتها) يا (................).

[email protected]