يا للحوار

TT

تعجبني كثيراً فكرة الحوار في لبنان. فيها، على ما نقول، صدق وإخلاص ونزاهة وضمائر مرتاحة، لذلك كلما سمعت أن السياسيين ذاهبون إلى البرلمان أو إلى الدوحة للتحاور، غمرني التفاؤل والفرح والشعور بالانفراج: خيَّي! وما يجعلني ذا ثقة بلا حدود، أن اللبنانيين لا يذهبون إلى الحوار إلا بقناعة مرعبة. كل حرب بعدها حوار. كل قتال له حواران: مستطيل ودائري. كل 500 قتيل وما فوق، لهم سفرة 3 أيام، بأسعار مدعومة، وأجور غير مخفضة، وإقامة كاملة. فول بورد.

وبما أنني لست مع الحرب من أي نوع وضد القتال حتى الصوتي، فلا يمكنني كمواطن إلا أن أؤيد الحوار. طبعا ليس «بالروح بالدم»، لأن هذه تفترض أن يكون لي زعيم أموت من أجل رفع صورته. أو مجموعة هتافين عباقرة يموتون من أجل رفع صورتي على مطل الضيعة. الحمد لله. لا مرشح ولا شرشوح ولا تاجر دم وأرواح ومقشش كراسي.

معفي، والحمد لله، إلا من الحزب الجمهوري الأميركي. اعتقدت أن حربي معه في العراق فإذا به يلحقني إلى البيت والرزقات وبعد قليل على خزانة الثياب. لذلك من اللحظة الأولى ثمنت تثمينا عاليا مجيء جورج بوش. تفاءلت. رجل وجهه فأل حسن. اسألوا كتاب غينيس: أسوأ الأعاصير في التاريخ: أسوأ الكوارث. أسوأ الخسائر. ودونالد رامسفلد الذي من شيكاغو. اللهم رحمتك. اجعل الأشهر الأربعة الباقية تمرَّ من خلف ظهره.

ولكن ما يهم. جورج بوش، جورج بوش. أنا مبسوط بالحوار في لبنان. سبحان الله. لي ثقة عمياء بالسياسيين في لبنان. رجال وعند كلمتهم. أقصد عند آخر كلمة. وصدقهم يبعث على التفاؤل. ونزاهتهم على الاعتزاز. جئني يا جرير بمثلهم. دوغري. سيدا. خط مستقيم. أنا شخصيا مبتهج بالحوار.

هل تعرف جنابك قصيدة «العميان والفيل» للشاعر جون غادفري ساكس؟ اليكها: فيل من حوله ستة عميان. كل واحد يتحسس قطعة منه. الأول، جانبه، فيقول هذا جدار. الثاني ذنبه، فيقول إن الفيل حبل طويل وضخم، الثالث يلمس الناب فيقول يا له من رمح. الرابع رجله، فيقول شجرة، الخامس أذنه، فيقول مروحة، السادس خرطومه فيقول أفعى هائلة. الفيل شعار الحزب الديمقراطي في أميركا. الحمار شعار بوش والجمهوريين. والعالم اليوم في مرحلة بين هياج الأول وذكاء الثاني. ونحن في لبنان ننتظر الحوار، بكل ثقة وتفاؤل وبهجات. منبع الثقة شعورنا بأن زعماء لبنان دوغري سيدا استقامة. لا يغيرون ولا ينكصون. كلمتهم كلمة وتوقيعهم ألف كلمة. إذا قالوا قالوا. وإذا وعدوا يا للهول وإذا اتفقوا كان لاتفاقهم دوي هائل. وبعده حوار جديد. إنه بلد الحوارات التي لا تنقطع. برا وبحرا وجوا.