هل على سورية أن تقلق؟

TT

هناك مسألتان في التفجير الارهابي الذي روّع دمشق، هل هو تدبير خارجي، كما توحي التحليلات الاعلامية في العاصمة السورية؟ والثانية هل هي حالة طارئة؟

سأبدأ بالثانية واثقا أن لا أحد يعرف كل الحقيقة بعد إلا الفاعل بطبيعة الحال. هذه حرب بين أقوى تنظيم ارهابي في العالم وأقوى جهاز امني في الشرق الاوسط، حيث لا يوجد هناك جهاز أكثر نفوذا من الأمن السوري، الذي اشتهر بنجاحه على مدى عقود ثلاثة ماضية. فسورية أولت اهتماما خاصا للمسألة الأمنية قبل سواها حتى أصبحت مرجعا. وهذا هو السبب عينه الذي جعل العراقيين والاميركيين يرفضون في سنوات حرب العراق الداخلية أقوال دمشق بأنها لا تعلم عن النشاطات المتسللة من اراضيها الى الحدود الجنوبية، وعندما تواجه بمعلومات دقيقة تقول انها لا تستطيع ان تغلق حدودها الطويلة مع العراق، وان اميركا بقدراتها الهائلة عجزت عن منع التسلل من المكسيك الى اراضيها. ورغم وجاهة الرد السوري رد احدهم قائلا، «يا أخي لا توجد ذبابة واحدة تدخل او تخرج من سورية لا يعلم بها هناك».

لم تصدق الرواية السورية لأن عدد الذين عبروا كانوا بالآلاف جاءوا من انحاء العالم الى العراق بأسلحتهم. وكان بعض المسؤولين اكثر صراحة موضحا، «نحن لا علاقة لنا بما يحدث، ولا يوجد سوريون في العراق، وفي نفس الوقت لا نستطيع منع الآخرين من مقاومة المحتل».

واحتضان او إغماض العين عن الجماعات المسلحة مارسته دول عديدة ودفعت ثمنه. فهي تعتقد أولاً انها أكثر ذكاء وأكثر مهارة، ومحصنة ثانياً.

وعندما ضرب الارهاب جاءت ردة الفعل السورية مشابهة لمعظم الدول العربية التي اكتوت به. في البداية تكون الصدمة، وبعد بضعة تفجيرات تصر على ان هناك مؤامرة خارجية. لقد ردد هذه الكلمة الجزائريون في بداية الثمانينات وفي النهاية اعترفوا بأن الارهاب صناعة محلية وعليهم مواجهته. الآن السوريون اكتشفوا أن العملية التي وقعت انتحارية، ولم تكن سيارة مفخخة فجرها إرهابي عن بعد.

سورية تظن ان الارهاب الموجه الى الخارج لا يمكن ان يمسها بشر. وظنت، مثل كل الدول العربية الأخرى، أنها أذكى وأقدر على التعامل مع الإرهاب بقفازات أمنية، وها هي تكتشف اليوم انها ليست إلا مجرد هدف آخر. ومع الاعتراف بأن الامن السوري في غاية القوة والشراسة إلا ان الارهاب ليس مثل غيره، او ما سبقه. الارهاب الديني المتطرف يتكاثر مثل الميكروبات ولا يستطيع أقوى أمن في العالم القضاء عليه، لأن كل فرد يتم غسل دماغه في مسجد، او عبر موقع الكتروني، او تلفزيوني، يصبح أقوى من أقوى جهاز أمني في العالم. سورية، بكل أسف، سمحت للارهاب العابر للحدود ان يتنزه في اراضيها لفترة طويلة معتقدة انه أفضل وأرخص سلاح، وسيجبر الاميركيين على التراجع لصالح حساباتها السياسية.

أخيرا تراجعت دمشق وتعاونت، بعد ضغوط اغتيال الحريري، فكانت خير معين بالمعلومات عن «المجاهدين» وملاحقتهم، والنتيجة اليوم هبط العنف في العراق ثمانين في المائة.

سيكتشف السوريون مع الوقت انه لا توجد مؤامرة خارجية عليهم، حتى من اكثر الناس خلافا معهم، لأن هؤلاء بدورهم يعتقدون أن أمن سورية هو من أمنهم، وأن أي فراغ او فوضى سيرتد عليهم جميعا كما حدث في العراق. لكن بالفعل يوجد توتر سياسي وانقطاع امني لا يخدم احدا. وسورية اكثر حاجة للتعاون ضد الارهاب من غيرها لأسبابها السياسية والطائفية والاقتصادية، لا التعاون الانتقائي مع ايران وجماعاتها.

[email protected]