من بحاجة إلى الكونغرس؟

TT

تنطوي مسألة المراهنة على حصافة الكونغرس، على أقل تقدير، على مخاطرة كبيرة. لذا دعونا نفترض وقوع أسوأ الاحتمالات ونتخيل أن مقترح تقديم إعانة مالية تقدر بـ700 مليار دولار للخروج من الأزمة المالية الراهنة لن يتم تمريره من الكونغرس في وقت قريب. إذاً ما الذي سيحدث؟ هل صحيح أن الأوضاع ستزداد انهياراً، مثلما حذر الرئيس جورج بوش الأسبوع السابق؟ أم أن هناك سبلا أخرى للخروج من الأزمة المالية الراهنة؟

ومن المفيد أن نتخيل الأوضاع المالية داخل الولايات المتحدة بدون مبلغ الإنقاذ المالي المقترح البالغ 700 مليار دولار من أجل التوصل إلى الخطوط الرئيسية المحددة لهذه الأزمة.

لقد شرعنا الآن في عملية مؤلمة للتخلص من الديون التي تثقل كاهل اقتصادنا الذي بات مدمناً لها، لكن هذا الأمر يحمل في طياته الكثير من الفوائد. فعلى سبيل المثال، نوه مارتن وولف في مقال له بصحيفة فايننشال تايمز إلى أن نسبة الديون على عاتق الأسر الأميركية قفزت من 50% من إجمالي الناتج المحلي عام 1980 إلى 100% عام 2007، في الوقت الذي ارتفعت ديون القطاع المالي من 21% من إجمالي الناتج المحلي إلى 116% خلال الفترة ذاتها. وأخشى أن نكون قد شاركنا جميعاً في هذا التحول، والعلاج المناسب الآن، وإن كان مؤلماً، هو ادخار قدر أكبر من المال واستهلاك قدر أقل.

أما المشكلة التي من المحتمل أن تمثل عائقا كبيرا على هذا الصعيد فتتركز في أسواق الاعتمادات قصيرة الأجل، حيث تعكف المؤسسات على ادخار الأموال النقدية في محاولة للتغلب على الأزمة المالية. ويرجع ذلك إلى عدم شعور هذه المؤسسات بالثقة حيال قدرة المقترضين على سداد القروض.

ويخلق مثل هذا التكالب على ادخار الأموال النقدية أزمة ائتمان أكبر بمقدورها الإضرار بجميع الشركات التجارية التي بحاجة إلى المال، بدءاً من المتاجر الكبرى التي تمول بناء مخزونات من البضائع وصولاً إلى شركات بطاقات الاعتماد التي تتعامل مع الملايين من عمليات الشراء يومياً. ومن المخيف للغاية حدوث ارتفاع شديد مفاجئ في عمليات الإقراض اليومية بين المؤسسات المالية، بالنظر إلى أن تكلفة ما يسمى اختصاراً باسم ليبور LIBOR)) ـ والذي يشير إلى سعر الفائدة السائد بين المصارف ـ قفزت إلى أكثر من الضعف، من 2.57% يوم الاثنين إلى 6.87% في الثلاثاء. وعليه، فإن التساؤل الحقيقي القائم الآن كيف يمكن إنهاء حالة الجمود التي أصابت أسواق الائتمانات. وعلى هذا الصعيد تحديداً، لا يبدو أن مقترح مبلغ الإنقاذ المالي البالغ 700 مليار دولار يمثل الاستجابة الأكثر فعالية، ربما يتمثل توجه أفضل في استهداف المشكلات المحددة التي ترزح تحت وطأتها جهات الإقراض. من بين الخطوات التي تم اتخاذها الطريق الصحيح الإعلان الذي صدر يوم الثلاثاء من قبل لجنة الأوراق المالية والصرف بغرض توضيح القواعد المحاسبية التي تحكم التعاملات «من سوق لسوق» والتي كانت تجبر المؤسسات المالية على إقرار خفض بالغ في الأصول «غير السائلة» المدونة في السجلات والتي ليست لها سوق في الوقت الحاضر.

وأوضح البيان الصادر عن اللجنة أنه «عندما لا توجد سوق نشطة لسند ما»، يمكن للشركات تحديد تقييماتها على أساس التدفق النقدي المستقبلي المتوقع.

من ناحيتهم، حث الكثير من أعضاء الكونغرس لجنة الأوراق المالية والصرف على تجميد العمل بهذه القاعدة تماماً والسماح بمعايير أسهل للتقدير، الأمر الذي من شأنه تخفيف حدة الضغوط على وزارة الخزانة لشراء الأوراق المالية السيئة. في المقابل، يعارض المحاسبون تجميد العمل بهذه القاعدة، مشددين على أن تغيير القواعد المعمول بها الآن سيسفر عن المزيد من فقدان الثقة في الميزانيات المعلنة للشركات.

يذكر أنه منذ عام مضى، استمعت إلى تحذيرات بشأن قواعد التعاملات من سوق لسوق من جو روبرت، الذي يتولى إدارة شركة استثمارات عقارية عالمية تحمل اسم جيه. إي. روبرت كوز. وأكد روبرت أن هذه القواعد تجبر الممولين على الخضوع للسوق في حالات تراجعها وتحديد تقديرات بالغة الانخفاض لأصول، حال الاحتفاظ بها حتى نضجها، فإن قيمتها ربما ترتفع إلى مستويات أعلى بكثير. ودلل روبرت على وجهة نظره بمثال بسيط، حيث قال: تخيل لو أن هناك شارعا جميع المنازل به يبلغ ثمنها مليون دولار ويرتبط كل منها برهن عقاري قيمته 500.000 دولار. لكن هناك بندا ينص على أنه حال تراجع قيمة منزل ما إلى أقل من ضعف القرض، سيتم الإعلان عن الإخفاق في سداد الرهن العقاري. والآن، لنفترض أن أحد ملاك هذه المنازل اضطر إلى البيع ووجد نفسه مجبراً على قبول عرض متدن بقيمة 600.000 دولار. فإنه بناءً على القواعد التي تحكم التعاملات من سوق لسوق، فإن جهة الإقراض سوف تحكم بأن كل ملاك المنازل أصبحوا فنياً عاجزين عن السداد، وتجبرهم على دفع أموال نقدية إضافية أو ربما بيع منازلهم، وهذا تحديداً هو ما جرى على الصعيد المالي. من بين الحلول الأخرى المباشرة لمشكلة أسواق الائتمانات المتجمدة وضع برنامج جديد تابع لشركة تأمين الودائع الفيدرالية (Federal Deposit Insurance Corp) بهدف استعادة رؤوس الأموال المصرفية التي اختفت خلال موجة التداعي التي شهدتها السوق.

من جهته، اقترح ويليام إيساك، رئيس شركة تأمين الودائع الفيدرالية، الأسبوع السابق أن يتخذ مثل هذا البرنامج المقترح صورة «شهادات بصافي الأصول» صادرة عن شركة تأمين الودائع الفيدرالية لصالح المصارف المضطربة التي بحاجة لبعض الوقت من أجل التغلب على المشكلات التي تجابهها. يذكر أن مثل هذا التوجه سبق أن أتى بنتائج طيبة خلال أزمة المدخرات والقروض في أواخر الثمانينات.

من ناحيته، أكد جيمس هارمون، الرئيس السابق لمصرف الصادرات والواردات (Export-Import Bank)، أن «حال عدم تمرير الكونغرس لأية خطة إنقاذ قريباً، لن تكون تلك المشكلة الكبرى. إن القضية الحقيقية هي حماية العامة، ليس ما إذا كانت الأسواق ستتجه نحو الارتفاع أم لا».

أما الخطر الأكبر حالياً فيتمثل في هجرة الأزمة من وول ستريت إلى مين ستريت (معقل تجارة التجزئة)، حيث بدأ الألم في الظهور بالفعل. وينبغي أن نصب اهتمام واشنطن على الإبقاء على تدفق الأموال داخل نظام الائتمانات، وبالتالي تقليص عمليات إشهار الإفلاس وتسريح العمالة. وهناك الكثير من السبل لتحقيق ذلك لا تتضمن الحصول على عون من أعضاء الكونغرس العاجزين.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»