رحيل السيد

TT

كان لأبي «وجدي» أسماء كثيرة وألقاب عديدة ولكن محبيه كانوا يستأنسون عادة أن ينادوه بالسيد. رحل عبد الله الجفري من عالمنا بعد صراع مرير وأليم مع المرض. كان عزيزا وحبيبا على قلوب من عرفوه واقتربوا منه، فعرفوا فيه الخلق الرفيع والقلب الكبير. عبد الله الجفري سطر اسمه في تاريخ الأدب السعودي عبر تجارب مع الكتابة والصحافة والخواطر والرواية، وكان له قراء على مستوى العالم العربي ليصبح من أوائل الكتاب السعوديين الذين كان لهم حضور مهم خارج بلادهم مثله مثل عبد الله القصيمي ومحمد حسن عواد وحمزة شحاته وحسن سراج. كانت لكتابات «أبو وجدي» بصمة ونمط خاص وأسلوب تعبيري رشيق ومميز مليء بالعاطفة والحس المرهف، وكان دائما ما يطعم كتاباته بأقوال من «أحبته» وهم نزار قباني وأشعاره المترامية وفيروز أيقونة الحب الحالمة وغادة السمان رمزية الجدل المستمر، كما كان لتوأم روحه وصديقه الدكتور فؤاد عزب نصيب من الخواطر مرة بالاجهار باسمه صراحة ومرة بأسلوب خفي. كان لي فرصة للتعرف عن قرب على الراحل وذلك من خلال فترة رئاسته لتحرير «عكاظ» مع والدي الراحل علي شبكشي خلال إدارته لها، وشكلا ثنائيا مميزا ساهما في استحداث نقلة مهمة للصحافة السعودية بإبراز العديد من المواضيع والأخبار بشكل غير تقليدي وغير مسبوق من قبل. كان عموده الذي يكتبه علامة مهمة ويحرص على قراءته الكثيرون وتنقل هو في كتابته من «عكاظ»، لـ«الشرق الأوسط»، لـ«الحياة»، لـ«الرياض» كما كان للعديد من المجلات العربية نصيب من قلمه، فكتب في «المجلة العربية»، و«اليمامة»، و«آخر ساعة» وغيرها، وله العديد من الكتب التي لقيت رواجا عبر طباعتها المتكررة، ولكن يبقى إرث أبي وجدي الأهم والأبرز وهو سيرته العطرة على المستوى الشخصي والإنساني، فهو لم يبادل أحدا العداء وإن كانت لديه معاركه الأدبية إلا أنه كان دائما ما يسمو فوق سطح هذه المواجهات ويعتبر الزمان كفيلا بحل الأزمات. اعتل قلبه كثيرا في السنوات الأخيرة ودخل بسبب ذلك أكثر من مستشفى حول العالم، وتجربته المريرة مع المرض جعلته يرى الناس والدنيا بمنظار أوسع وأكثر حكمة وبسعة صدر كان محل اغباط الكثيرين. كانت لديه شبكة واسعة من العلاقات نسيجها الأساسي هو الاحترام والتقدير وعدم إغفال الناس قدرتهم ومكانتهم، وبذلك استمر في احتلال مكانته المميزة في قلوب الناس بالرغم من مضي سنوات طويلة وهو خارج أي منصب رسمي أو مهني مستمر. كان على مسافة قريبة من ناس مختلفين وكانت هذه شهادة قوية جدا في حقه على قدرته في التعامل مع غيره ومن هم على خلاف معه بمهارة قطبان وربان في بحار عاتية. الساحة الأدبية السعودية فقدت برحيل عبد الله الجفري فارسا نادرا بأخلاق لم تعد موجودة، وكل الذين تعودوا على أبي وجدي عبر السنوات الطويلة وعاشروه فيها كلمة وحديثا وطلة سيدركون معنى هذا الكلام. ولا أجد في الختام كلمة أختم بها هذه الكلمات إلا إهداء كتبته السيدة فيروز وهي تهدي عملها للراحل الملحن فيلمون وهبي «كل اللي عرفوك اشتاقولك وكل اللي جايين راح يحبوك». رحم الله أبا وجدي رحمة واسعة وأسكنه جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

[email protected]