يتساقطون في الشوارع (3 ـ 3)

TT

أما استأذنا الفيلسوف عبد الرحمن بدوي. فقد كان أستاذي في الجامعة. ولما عملت مدرساً للفلسفة كان رئيس القسم. وهو الذي اختارني وأنا من أشد الناس إعجاباً وإطراء عليه في حضوره وغيبته وفي الكويت وفرنسا وليبيا. وعندما سجنه العقيد القذافي بتهمة الإلحاد، وكان قد أسس في جامعة ليبيا قسماً للفلسفة وأبلغت الرئيس السادات فأفرجوا عنه. وعاد إلى عزلته وانطوائه وانكفأ على الكتب في المكتبات العامة في باريس. ثم آوى إلى غرفته التي يسكنها من ثلاثين عاماً في فندق لوتسيا بالحي اللاتيني..

ثم بلغني أنه منفي في أحد المستشفيات الفرنسية ولا يعرفون من هو. لقد وجدوه في الشارع في حالة إغماء طويل ولما أفاق قال: إنني فيلسوف مصري. صحيح ليست معي بطاقة شخصية ولكن اسألوا عني.. اطلبوا أنيس منصور في مصر فهو كاتب مشهور!

واتصلت به وقلت: مبروك مصر رشحتك لجائزة نوبل. فقال غاضباً لا أريد نوبل.. أريد أن أخرج من هذا المستشفى وأن تدفع لي الدولة ثمن العلاج فليست عندي فلوس..

وكانت عنده فلوس وأرض شاسعة ورثها عن أبيه ولكن عبد الناصر أمم أرضه مرتين!

شيء غريب أن أخوة عبد الرحمن من النابهين في مصر في القانون والطب. ويتساقطون الواحد بعد الآخر ويموتون في الشوارع، في الطريق إلى بيوتهم وإلى مكاتبهم!

وأمر الرئيس حسني مبارك بنقل الفيلسوف إلى مستشفيات مصر ليموت وحيداً وفي هدوء كما عاش طوال حياته!