ذكر يذكر

TT

بقدر ما يكره الغربيون جانب التشدد الإرهابي من المسلمين يعجبون ويحبون الجانب الصوفي من الإسلام. معظم من التقيتهم من الإنجليز الذين اعتنقوا الإسلام اعتنقوه على طريقة الصوفية. وفي شهر رمضان المبارك الأخير نشطوا في إحياء حلقات «الذكر» في شتى الأماكن. حضرت منها الجلسة التي جرت في غالري آرك سبيس الذي يديره أحد متصوفي الشيوعية وزهادها، زميلنا الفنان يوسف الناصر. استمعت في هذه الجلسة إلى المسلمة الصوفية الإنجليزية ريتا غولمسن وهي تضرب على الدف وتروي وتنشد آثارا من التراث الصوفي. كان منها حكاية عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه.

توله الشاب عبد القادر بالإيمان وكرس أيامه لدراسة العلوم الإسلامية في بلده من كيلان في إيران. ثم قرر السفر إلى بغداد للالتحاق بدار الحكمة، المركز الشهير لعلوم الدين في القرون الوسطى. كان صبيا يتيما من أسرة فقيرة. اضطرت والدته لبيع كل ما في البيت من متاع الدنيا الفانية وجمعت له أربعين دينارا ذهبا دستها في جانب من جبته وخاطت عليها لئلا تضيع أو تسرق ولتسد نفقات سفره من جبال وبوادي كيلان إلى عاصمة الإمبراطورية الإسلامية بغداد.

قبلته على الباب وأعطته هذه النصيحة: كن صادقا يا ولدي ولا تقل غير الحق والحقيقة.

وعدها بذلك والتحق بالقافلة المتجهة إلى العراق. ما أن قطعوا مسافة قصيرة من الطريق حتى خرجت عليهم عصابة من قطاع الطرق. سلبوا كل ما كان يحمله المسافرون ثم وقف رئيس العصابة ليخاطبهم ويقول هل بينكم من يحمل شيئا ثمينا لم نعثر عليه بعد؟

تقدم عبد القادر إلى الأمام وقال: نعم. أنا أحمل في جبتي أربعين دينارا ذهبا.

امتشق اللص سيفه وضرب به الجبة وشقها إلى شقين فتساقطت الدنانير إلى الأرض. نظر إليها في دهشة واستغراب. فلم يكن الناس ولا هم الآن معتادين على قول الحقيقة. سأل عبد القادر الكيلاني الشاب: ما هذا؟ ما الذي حداك إلى أن تعترف وتكشف عن دنانيرك؟

«لقد وعدت أمي بأن أكون صادقا مع الناس وأقول الحقيقة».

ازداد اللص عجبا ودهشة. فلم يسمع في حياته عن رجل مسلم يصغي لما تقوله له امرأة. التقط اللص الدنانير الملقاة على الأرض وأعادها إلى عبد القادر ثم أمر أتباعه أن يعيدوا للمسافرين كل ما نهبوه من مال. وتقول الحكاية إن كبير اللصوص تاب وترك اللصوصية وعاد إلى حياة الصلاح.

مضى عبد القادر في سفره حتى وصل إلى بغداد والتحق بدار الحكمة وكرس حياته لطلب العلم وخدمة الدين والخير. وفيها وضع أسس الطريقة الكيلانية للتصوف والزهد. غير أنه مع الأسف لم يستطع أن يغرس في قومه محبة الحق والحقيقة. ولكنه قنن لهم حصتهم من شوربة العدس يغرفون منها كفايتهم مساء كل يوم من الحضرة الكيلانية ببغداد.

www.kishtainiat.blogspot.com