شم البخور وتأمل القمر

TT

قال لي قاض شاب مبتدئ: تأتيني في دائرتي أحياناً بعض المشاكل والمنازعات لأحكم فيها، كذلك بعض الخصومات الأسرية كالطلاق والخلع وما شابه ذلك.

وبالأمس أتتني امرأة شابة من المنطقة والقرية (الفلانيتين) طالبة الخلع من زوجها، فعرفت أنه لم يمض على زواجهما أكثر من سنة واحدة، كانت تبكي وبالكاد كنت أتبين كلماتها.

هدأت عليها، وبعد أن استعادت رباطة جأشها، سألتها عن المشكلة.

فقالت: إن زوجي حاول قتلي.

ـ يا لطيف، متى، ولماذا، وكيف؟!

ـ حدث ذلك بالأمس، عندما دخل عليّ وأنا مسندة رأسي على (المركى) وقد غلبني النعاس من شدة التعب بعد تنظيف البيت، ولم أجهز العشاء بعد، فما كان منه إلاّ أن أمطرني بسيل من الشتائم وذهب راكضاً إلى فناء الدار وأتى وبيده دجاجة حية يضربني بها بقوة على رأسي، ومن شدة الضربة أغمي عليّ، وكادت الدجاجة تموت، فعاجلها بسكين المطبخ و(ذكّاها)، وفي هذه الأثناء أفقت من إغماءتي، فما كان منه إلاّ أن يقذف بالدجاجة المذبوحة على وجهي الذي امتلأ بالدماء قائلا: هيا انتفيها واطبخيها يا (رفلا).

سألته: وماذا فعلت لها؟! قال: قلت لها: احمدي ربك أنه قذفك بدجاجة وليس بخروف.

هيا، اذهبي واستعيذي من الشيطان، واعتذري لزوجك واطبخي له دجاجة أخرى ليرضى عليك، وما أن قلت لها ذلك حتى انفجرت مرّة أخرى بالبكاء وهي تتجه للباب خارجة.

وبعدها التفت لي القاضي مبتسماً وهو يقول: هل عرفت الآن كيف تكون إلى هذا الحد سذاجة وصغارة عقول بعض النساء؟!

قلت له: شكراً، الآن عرفت.

وبهذه المناسبة وخلافاً لهذه الحادثة وعلى النقيض من ذلك القاضي الشاب، حدثني أحدهم وكان عائداً لتوه من اليابان، وهذا الشخص (هابق) بمعنى (جايب العيد)، وبمعنى أكثر وضوحاً هو (غريب الأطوار)، ويريد أن يعرف ويخوض تجارب لا تخطر على البال.

منها مثلا وخلال زيارته لليابان حضر اجتماعا تعقده جمعية شغْلَتُها (شم البخور)، ويقول: إن أكثر أعضائها من النساء، وهي تجتمع بانتظام لكي تتمتع بالروائح العطرة التي تفوح من أنواع الأخشاب المختلفة، وتبدأ الاختبارات والمفاضلات والتقدير الدقيق للروائح بخشوع بالغ، وقد استنشقت ما لا يقل عن 45 رائحة.

وحضر حفلة (لتأمل القمر)، ولحضور هذه الحفلة يجب اتباع طقوس معينة، فالحركة البطيئة الهادئة لها أصولها، والتركيز على النظر يجب أن يكون منصباً على القمر وما حوله لا غير، لا أحاديث إطلاقاً وإنما صمت مطبق وتأمل. وأخذت أسرح مع السحب التي تعبر القمر بظلالها المتحولة، وتأملت صفاء السماء الذي يزداد كلما ارتفع القمر.

وبينما كنا في هذا الجو المفعم الشاعري، فإذا بأحدهم يعطس عطسة هائلة يتبعها بنفّة مزلزلة لخشمه، جعلت رؤوس الجميع تلتفت نحوه باحتجاج وضيق، ويبدو أنه كان محرجاً وأخذ يتكلم للجميع بصوت مرتفع ليشرح حالته.

فما كان من اثنين من (السكيورتي) إلاّ أن يدخلا ويسحباه معهما للخارج.

وعرفت في ما بعد أنهم ذهبوا به للمحكمة، حيث أن النظام يجيز المحاكمة لمن يدخل إلى مثل هذه الجمعيات ويخرق تقاليدها، ولا أدري ماذا حكم القاضي الياباني على ذلك الرجل (العاطس)!!

لكن لدينا مثَل يقول: (مَن عطس ما فطس).

[email protected]