العراق بين الشك والصحوة

TT

هناك في الحكومة العراقية مَنْ يظن أن قوات الصحوة ليست إلا صنيعة اميركية لقوات سنية تهدف لمواجهة الميلشيات الشيعية والقوات الحكومية ذات الادارة والاغلبية الشيعية. ولهذا السبب رفضتها الحكومة منذ البداية، وحاولت التخلص منها، لولا ان الاميركيين هم مَنْ يدفع الفاتورة الشهرية لـ«الصحوة» لا الحكومة. لهذا جعلتها الحكومة نقطة اساسية في مفاوضات الاتفاق الامني الحالي. وحتى توقع الحكومة على الاتفاق، اشترطت على الاميركيين ان يمتنعوا عن تمويل قوات الصحوة، أي «ميلشيات السنة»، إن كانوا يريدون اتفاقاً، فوافق الاميركيون على نقل كفالتهم الى الحكومة.

وهنا الحكومة ليست على خطأ من حيث المبدأ في رفض وجود قوات لا تأتمر بأمرها، سواء كانت شيعية او سنية. الخطأ هو في التعامل مع «الصحوة». فهي تعلم أهمية ما فعلته «الصحوة»، لانها هي التي دحرت قوات «القاعدة» وحققت الاستقرارَ أخيراً، وباعتراف الاميركيين، الذين فشلوا من قبل. والمطلوب ليس خطابَ شكرٍ على ما بذله نحو مائتي الف مواطن عراقي، بل دمجهم في النظام امنياً ووظيفياً.

المفارقة المضحكة هو رأي كل طرف في الآخر. فالحكومة مسكونة بالشك، تشك في ان «الصحوة» مسمار جحا الاميركي يريده عذرا للتدخل، وحصان طروادة تختبئ في داخله للبقاء في العراق. كما ان الاميركيين، وبالطبع قادة «الصحوة»، يشكون في ان الحكومة العراقية تريد ان تتخلص من «الصحوة» حتى يخلو لها الجو لأسباب طائفية، بدليل انها تصر على التخلص من ميلشيات السنة «الشرعية» وترفض حتى الحديث عن إنهاء ميلشيات الشيعة «الشرعية» مثل «الدعوة» و«المجلس الاعلى».

اخيراً، رضخ الاميركيون وباعوا «الصحوة» للحكومة التي تعهدت بضم عشرين في المائة منها في قواتها ودمج البعض الآخر في وظائف مدنية. وهي خطوة مطمئنة لو كانت التفاصيل أكثرَ وضوحاً من حيث العدد. فإن كان الاستيعاب قليلا، فهذا سيعني تكرار الخطأ الاميركي الاول الذي كان قاتلا. فغزو العراق كان مهمة سهلة، وإسقاط صدام كان اسهلَ، لكن حل الجيش والأمن هو الذي تسبب في الكارثة. الآن حل «الصحوة» قد يتسبب في عودة «القاعدة» والإرهاب والفوضى. وهناك مؤشرات تؤكد امكانية حدوث ذلك. فـ«القاعدة» عبر مواقعها الالكترونية تشمت قادة «الصحوة» وتصفهم بأنهم خذلوا، وبيعوا رخيصا في سوق المفاوضات بين الحكومة وواشنطن. وتعرض «القاعدة» عليهم، في المقبِلِ، ان تتعاون معهم وتبدل سلوكها الاجرامي ضدهم، والذي استثار العشائر، مقابل التحالف معهم من جديد.

نحن نعتقد ان الحفاظ على النظام المركزي في بغداد، بغضِّ النظر عن سوء ممارسات الحكومة، مسألة استراتيجية يجب دعمها، لكن التخلي السريع عن قوات الصحوة دون اتفاق شامل حول حل بقية الميلشيات سيعني شيئاً واحداً مؤكداً؛ عودة الفوضى بعد ان اصبح العراق قريباً من الاستقرار الكامل. لقد اثبتت «الصحوة» أنها، وبأقل من عشرين مليون دولار كل شهر فقط، استطاعت إنجاز ما عجزت عنه القوات الاميركية الضخمة، وهي قادرة على فعل الشيء نفسه لصالح الجبهة الأخرى. الحكومة، التي ترفض ان تصدق أنها بيت من ورق، هي مَنْ سيخسر فرصة المصالحة الحقيقية الماثلة اليوم، ودمج كل «الصحوة» جزء من المصالحة، فتثبت لمواطنيها أنها حكومة الجميع. طبعاً، الخيار الأمثل هو نزع كل السلاح، وإلغاء كل الميلشيات لا السنية فقط، وجعلها دولة كل العراقيين.

[email protected]