«أك توتون» للمرة الخامسة

TT

قدره أن يكون مخفرا متقدما يقع في قلب مثلث الخطر التركي ـ الايراني ـ العراقي، وأن يبعد 4 كيلومترات فقط عن الحدود التركية ـ العراقية. قدره أن يتعرض في الفترة الواقعة بين عامي 1992 و2008 الى خمس عمليات عسكرية نفذها مقاتلو حزب العمال الكردستاني، انطلاقا من شمال العراق، وأودت بحياة 44 جنديا تركيا وعشرات المهاجمين. توقيت الهجوم الأخير الذي حصل كما تشير المعلومات الأولية الواردة ظهر يوم الجمعة عندما كان الأهالي والعديد من الجنود يقفون جنبا الى جنب لتأدية الصلاة في مسجد «اك توتون» التي كانت اشارة البدء بهذه العملية التي سبقها قصف بالأسلحة الثقيلة انطلاقا من الاراضي العراقية، اعقبه اطلاق نار غزير من اسلحة عشرات المهاجمين أدى الى سقوط 15 جنديا تركيا واصابات كثيرة بعضها في حالة الخطر، بينما فقد أنصار حزب العمال 23 شخصا حسب المصادر الاعلامية.

الرئيس التركي عبد الله غل، قرر الغاء زيارته المقررة الى باريس، وهي رسالة تركية واضحة الى الاتحاد الأوروبي، الذي تترأسه فرنسا هذه الفترة، ليراجع حساباته ومواقفه حيال حزب العمال الكردستاني وأنصاره وقواعده في العواصم الأوروبية.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قطع جولته على جمهوريات آسيا الوسطى، وعاد الى العاصمة التركية للمشاركة على الفور في اجتماعات امنية ـ سياسية متواصلة بدأت منذ بعد ظهر يوم الجمعة المنصرم، وهو يعلن أن أنقرة لن تتراجع عن سياستها وخياراتها في موضوع الحرب المعلنة على هذا الحزب الارهابي. والمعارضة السياسية تحركت على الفور للمطالبة برد فوري وحازم على كافة الصعد والمستويات ضمن خطة مواجهة فوق حزبية تحتاجها البلاد في هذه الآونة.

توقيت عملية «اك توتون» وطريقة تنفيذها وحجم الخسائر المادية والمعنوية التي تسببت بها في صفوف القوات المسلحة التركية تحديدا، سيترك حكومة العدالة والتنمية التي تعيش اصلا حالة من الضيق والتراجع في اكثر من ملف وازمة أمام خيار وحيد هو التعامل بليونة مع خيارات التشدد والتصعيد التي ستجدها أمامها على طاولة المناقشات حتى لا تفقد ما بقي من أوراق بيدها تلعبها خصوصا في التعامل مع هذا الملف في وجه المعارضة والمؤسسة العسكرية، والعديد من المؤسسات الاعلامية والاتحادات النقابية والعمالية. خلال الأيام القليلة المقبلة ستتوضح أكثر فأكثر صورة الوضع وسنتعرف الى المزيد حول الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي رافقت هذه الهجوم وارتباطه بأكثر من حدث وموقف داخلي وخارجي تركي يتقدمها:

ـ دور البيشمركة الكردية في العملية، خصوصا انها جرت في وضح النهار انطلاقا من مناطق تحت سيطرتها المباشرة ووسط انباء تتحدث عن قصف بالأسلحة الثقيلة المتمركزة هناك سبق هذه العملية؟ كيف سترد القيادات الكردية أم انها ستحاول التهرب من تحمل اية مسؤولية واضعة الكرة مرة أخرى في الملعب التركي، متجاهلة أن الاتراك يعرفون تماما حجم غضبها وانفعالها حيال مسار التطورات السياسية في العراق، فهل يكون الرد على الدور التركي السياسي في الملف العراقي بتجاهل ما يفعله، وما قد يفعله حزب العمال الكردستاني والتغاضي عنه؟

ـ محاولة قيادات حزب العمال التقاط انفاسها واسترداد بعض ما فقدته ماديا ومعنويا نتيجة الهجمات البرية والجوية، التي تنفذها القوات التركية ضد مواقع الحزب، لتكون هذه العملية محاولة اعادة الاعتبار، خصوصا انها تأتي وسط حالة من التشنج الشديد تشهدها بلدة «التن اوفا»الواقعة على بحر ايجه جنوب غربي تركيا، اثر خلافات واشتباكات أودت بحياة مواطنين من سكان البلدة اعقبها مهاجمة منازل ومتاجر يملكها بعض الاكراد الوافدين الى هناك، من مناطق جنوب شرقي تركيا.

ـ تقليص حركة مجلس النواب التركي ورقعة خياراته، وهو الذي يستعد الأسبوع المقبل لدراسة موضوع التمديد للحكومة التركية، واطلاق يدها في اتخاذ ما تراه مناسبا حيال أية عمليات حربية جديدة تجدها ضرورية في شمال العراق.

ـ اعلان فشل التنسيق الأمني ـ الاستحباراتي التركي الأميركي في شمال العراق لناحية التعامل مع مسألة الهجمات التي تنفذ انطلاقا من مناطق قد تكون تحت السيطرة الكردية، لكنها في النهاية تحت حماية الاميركيين وسيطرتهم، مما سيدفع واشنطن وأنقرة لمراجعة مواقفهما وسياستيهما في التعامل مع هذا الموضوع قد تقود الى اكثر من احتمال ونتيجة.

ـ قطع الطريق على النتائج الايجابية الاخيرة، التي حققتها زيارة قائد الجيش التركي الجديد الكر باش بوغ الى مناطق جنوب شرقي تركيا، على طريق طرح الازمات والمشاكل ومناقشة حلولها بالأساليب والوسائل السياسية السلمية بعيدا عن العنف والارهاب.

ـ الرد السريع والقوي من قبل حزب العمال على الرسائل التي اطلقها أردوغان مؤخرا، حول التحضيرات الواسعة التي يجريها العدالة والتنمية في مناطق جنوب شرقي تركيا لانتخابات البلديات في اذار المقبل، حيث يتوعد اردوغان بالخروج منتصرا أمام حزب الشعب الديمقراطي، ورفع علم حزب العدالة والتنمية فوق العديد من البلديات، التي يهيمن عليها هذا الحزب وقواعده الكردية.

*كاتب وأكاديمي تركي