الدفاع ضد الصواريخ لا يؤمن الحماية في أم الأزمات!

TT

تواصل إيران المضي في برامجها بكل حماس وثبات، مستغلة أزمات وخلافات دولية وحالات ضعف في القرارات. فما قرره مجلس الأمن (حتى الآن) يبقى تأثيره هامشياً، وربما مشجعاً للساسة الإيرانيين حسبما يظهر من تصريحاتهم، ومن غير المنتظر، أن تأتي الانتخابات الإيرانية القادمة بمتغيرات بينهم، تفي بالمتطلبات الدولية. طالما بقي صقور النظام أنفسهم، بمن فيهم المعارضون شكلياً. فهم أبناء مدرسة واحدة مع اختلافات في التكتيك لا أكثر، فضلاً عن أن مفاصل الحكم الرئيسية هي بيد المرشد ومؤسسات الباسدران وتفرعاتها.

وطبقاً لما ينشر فإن دولاً عربية، وغيرها، تعمل على شراء ونصب معدات للدفاع ضد الصواريخ أرض ـ أرض، ما يعني وجود شعور بالإحباط حيال توقف إيران عن برامج تصنيع سلاح نووي. ومثل هذا الإحباط يقود إلى اليأس وصولاً إلى ما هو أبعد وأخطر.

وفي واقع الحال، فإن التدابير الدفاعية ضد الصواريخ لا تزال قاصرة عن تحقيق الأمن، لأن من غير المتصور صد كل رشقات الصواريخ بكفاءة، ومجرد أن يفلت رأس نووي واحد يعني وقوع كارثة، اللهم إلا إذا توصل العلم إلى توجيه شعاعات ضوئية وكهرومغناطيسية.... لتدمير كل ما يطلق من صواريخ على جبهات واسعة، وهو قد يكون خيالاً مبكراً، على المدى المنظور.

ومشكلة امتلاك إيران سلاحاً نووياً تتعدى وجود السلاح بعينه، وربما حتى استخداماته وحدها، ليصل إلى حالة استغلال قوة التهديد في عمليات التوسع، أو حتى التوسع الجنوني، الذي لا ثقة في توافر فرص ضبطه. وهل يعقل أن ينام خليجي واحد في راحة بال تحت شبح التوسع الإيراني إذا ما أصبح له غطاء نووي؟ وليس الأمر متعلقاً بالخليجيين فحسب بل بالعالم.

مراجعة بسيطة للتاريخ تظهر أن إيران لم تكن مهددة من جيرانها أبداً، ولا من الأبعدين، منذ أكثر من ألف عام، أما الحرب مع العراق فكانت لها خصوصيات خاصة لم تكن إيران غير مشاركة فيها. فلماذا العسكرة الصاروخية والنووية؟ ولم يتدخل أحد في شؤونها الداخلية، فيما هي تتدخل علناً، وما أضيف من معلومات خليجية أخيراً، عن الخلايا النائمة لدليل مضاف على تدخلاتها، مع التأكيد على تصحيح الخطأ في المسميات، فإن الخلايا (لا تنام)، بل تقوم بواجبات مخابراتية ودعائية ونفسية وإثارة نعرات خلافية.. الخ، ولا بد من تفكير عميق وخطط عملية لإحباط الممارسات غير المشروعة من دون إساءات للمقيمين الإيرانيين العاديين في الخليج. إلا أن المعالجات المحلية تبقى قاصرة أمام أن يبقى مصدرو الخطر، متخندقين في مواقعهم في المؤسسات الإيرانية. ولا بد من علاج ناجع للتهديدات الأساسية. فما نشر أخيراً عن بعض المعاهد عن حاجة إيران لفترة قصيرة قد تتراجع الى تسعة أشهر، للحصول على سلاح نووي، وما قيل أيضاً عن وجود تحويرات على رؤوس الصواريخ لحمل رؤوس نووية، لنذير خطر داهم، يؤكد ما ورد في مقال سابق في الشرق الأوسط، أشار إلى أن الولادة النووية الإيرانية اقتربت.

إن من بين ما «يخشى أن يبقى العالم غارقاً في غفوته أو عجزه، ويمضي المتشددون في مشاريعهم، وعندئذ يبدأ زمن أزمات وتجاوزات وكوارث لا حصر لها. فحتى الآن لا أحد يعرف ماذا يفعل، وربما الكل عاجزون حائرون.

وفي النتيجة هل استسلم العرب والغرب أمام التوجهات النووية الإيرانية فعلاً؟، فاستسلام كهذا سيكون مهيناً ومدمراً في مؤدياته، فيما يمتلك الطرفان الغرب والعرب قائمة طويلة من الخيارات المشروعة، أولها إشعار إيران بأن العالم جاد في المطالبة بعودتها الى جادة الصواب، وإن لم تمتنع، فلا بد من منعها. وبدل أن تعبث في نسيج الآخرين، ينبغي أن تدرك، أو أن تدفع الى أن تدرك، ان سياسة ظلم مكونات الدولة لا يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية، فمن حق المكونات الإيرانية أن تحظى بمساندة عربية ودولية، لنيل حقوقها الإنسانية، طالما حرمت من الديموقراطية وتعرضت لسياسات القهر والقمع والحرمان. والغريب أن لا أحد يساعد الإيرانيين ولو إعلامياً في هذا المجال، وهي علامات يفهمها المسؤولون الإيرانيون بطريقة أخرى، تدل على عجز وضعف من خاصمتهم السياسة الإيرانية.

ويبدو العجز العربي كبيراً في معظم المجالات، فلماذا لم يجر الفعل وليس التفكير في شق قناة بديلة لمضيق هرمز؟ ولماذا لم يجر مد شبكات أنابيب لتصدير النفط خارج منطقة الخليج؟ وذلك أضعف إجراءات الأمن. ولو أن إيران ستفهمه عملاً عدائياً؟ هل ينقصهم المال؟ إنه سيذهب ضمن دورة الحياة، وستكون له مردودات ايجابية كبيرة.

السياسة الإيرانية الحالية، وغياب ردود الفعل المناسبة، والعجز في الوصول الى حلول منطقية، تقود أول ما تقود، الى حالة كبيرة من الانقسامات الإقليمية تؤدي الى فتنة في كل شريحة، ولو بعد حين، وعندئذ سيتحمل جيل القادة الحالي مسؤولية كبيرة أمام الأجيال اللاحقة، لأن الزمن وحده لن يأتي بحل للأزمة الإيرانية، فهي مرشحة للبقاء، ولو بتأثيراتها، الى فترة طويلة من الزمن إن لم تعالج.

[email protected]