الخاسر الأكبر

TT

لم تبق مدة طويلة على انقضاء ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش، وأنني على يقين أن مئات الملايين حول العالم سيتنفسون الصعداء لحظة تركه البيت الأبيض (في وقت وقت يكون هذا التنفس الجماعي كفيلا وحده بإغلاق ثقب الأوزون إياه!)، ولكن وبكل صدقية وجدية وأمانة «شو موفق هالصبي!». جورج بوش شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في عهده أسوأ حادث إرهابي وخاض حربين؛ إحداهما بنيت على أكاذيب ومزاعم روجها جماعة من المحافظين الجدد، أرادوا تدمير العراق لمآرب خاصة بهم وكان من نتاج ذلك أكثر من 4500 قتيل أمريكي وأضعافا أكبر من المصابين وضحايا عراقيين تفوق المليون مصاب وجريح ومع ذلك وللحظة هو يرى أنها حرب جادة وبنيت على حق ولنصرة الحق، ولم يكتف هو بذلك فعادى العالم وانطلقت أعنف وأقسى المظاهرات ضده شخصيا وضد سياسات بلاده تحت قيادته، مما ولد كراهية غير مسبوقة وأفرز احتراما منقوصا بحق أمريكا. ساءت العلاقة مع أوروبا وتدهورت مع أمريكا اللاتينية، واهتزت مع الصين وروسيا، وفي الشرق الأوسط وضعت القضية الفلسطينية في قسم المثلجات. وأما عن ملف البيئة فتدهورت البيئة في عهده تدهورا كان بحاجة لعشرين عاما على أقل تقدير ولكنه اختصر الوقت بإنكاره أساسا لآثار الاحتباس الحراري والتعامل معه بفوقية واعتبارها تهيؤات من «علماء» الجامعات الليبرالية و«أجندتهم ضده»، ويبدو أن الطبيعة جراء إهماله لتدهور حالها قررت الانتقام منه شر انتقام وقدمت له إعصاري كاترينا وجوستاف ليتركا آثارا مدمرة وفاضحة كشفت هشاشة إدارته وقدرتها في التعامل مع الكوارث والأزمات الطبيعية مضيفة صفحات جديدة لسجلات الإخفاق الإداري، وخلال كل ذلك كان مستوى الإخفاقات داخل طاقمه الإداري يحصد الواحد تلو الآخر من دونالد رامسفيلد لسكوتر ليبي لتينيت، لكولن باول وغيرهم، منهم من قام بفضح الإدارة بالنشر عبر مجموعة من الكتب الفاضحة التي قدمت صورا مفزعة للإدارة من الداخل بنشر معلومات ووثائق مزعجة، ومنهم من تجول في التلفزيونات والندوات يقدم رأيه كشخصية عاشت المأساة من «الداخل». وها هي الكارثة المالية الكبرى تحط على رأس أمريكا الاقتصادي وتصيب العالم بأسره بالدوار والغثيان في أسوء زلزال اقتصادي في تاريخها وبالتالي كانت فاتورة علاجه هي الأعلى ثمنا أيضا. وصلت معدلات الرضا عن أدائه بالنسبة للشعب الأمريكي إلى أدنى مستوى لها لأي رئيس أمريكي منذ البدء في قياس الرأي لأداء الرؤساء، ويبدو أنه لم يتبق إلا عودة الطاعون الأسود وقيام الحرب العالمية الثالثة لاكتمال عهده. حجم الضرر المالي جراء الكارثة الاقتصادية الحالية لم يظهر حتى الآن وبحسب الكثيرين من الخبراء، لديهم قناعة كبرى بأن الرهن العقاري ليس وحده المسؤول عما حدث، فالأرجح أن الإدارة الحالية استنزفت التمويل الذي تحتاجه للحرب على العراق بشكل خطير مما أصبح يهدد الملاءة المالية للقطاعات الاقتصادية لأمريكا ويهدد قدرات الإقراض نفسه، وهذا طبعا كفيل بإحداث الشلل الاقتصادي الكامل. المسؤولون السابقون في الإدارات الأمريكية عادة ما يتحصلون على مبالغ ضخمة جراء ونظير الخطب والكتب التي يلقونها ويكتبونها ولكن في حالة الرئيس بوش أعتقد أنه عليه هو شخصيا أن يدفع لكي يسمعه أو يقرأه أحد. ويبقى الرهان على عقلية وقدرة أمريكا في إصلاح نفسها وعدم تكرار المهزلة هذه من جديد.

[email protected]