قرن في خاصرة الفيل الأمريكي

TT

الفيل الأمريكي، وهو شعار الحزب الجمهوري، تلقى هذه المرة طعنة موجعة في خاصرته من القرن الأفريقي الحاد، فأعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية كانت محصلة طبيعية للتدخل الأمريكي الأرعن وغير المدروس العواقب في الصومال بزعم محاربة الإرهاب و(جعل العالم أكثر أمناً)، وها هي دول العالم بعد أن كانت تمخر سفنها عباب البحر في منطقة القرن الأفريقي لا تخاف إلا الله والحيتان على بحارتها صارت تتعرض لأكبر قرصنة يشهدها التاريخ. ومع أن الدول المستفيدة تعرف أن هناك قرصنة تحدث قبالة الساحل الصومالي المضطرب إلا أنها لم تكترث كثيراً؛ أولا لأنها اعتبرتها نوعاً من شقاوة لعصابات شعب جائع لبلدٍ لا توجد فيه دولة ولا نظام؛ وثانيا لأنها كانت تدفع مبالغ لم تكن كبيرة مقارنة بتأمين سفن تجارية تقدر بضاعتها بمئات الملايين من الدولارات حتى أن الاحصاءات أوصلت المبالغ التي دفعت للقراصنة الصوماليين خلال عام حوالي ثلاثين مليون دولار، لكن السفينة الأوكرانية التي تحمل دباباتٍ وسلاحاً ثقيلاً هي التي أشعلت قضية القرصنة في القرن الأفريقي لأن الصيد هذه المرة سمين وثمين، ولذا كانت الفدية لهذه السفينة فقط ما يعادل دخل القراصنة في عام كامل. الفيل الأمريكي يطعنه هذه الأيام القرن الأفريقي وتخنقه عمامة طالبان الأفغانية وتكتمه الغترة العراقية ويكممه السجاد الإيراني ويتحرش به الدب الروسي المتعافي ويكاد يجرفه فيضان الأزمة المالية الأمريكية، طالبان التي توقع العالم أنها سحقت بلا رجعة تتسول إليها أمريكا هذه الأيام لتجلس إلى طاولة المفاوضات مع حكومة قرضاي المتهالكة. وطالبان ترفض عرض المفاوضات إلا بشروطها وأجندتها. والصومال التي أحكمت قبضته المحاكم الإسلامية بعد عشرين سنة من الفوضى العارمة تدخلت أمريكا لتسحقها كما سحقت أختها طالبان لتعود مرة أخرى لاعبا رئيسا في الميدان الصومالي وبدور أخطر. ولا نستبعد أن تؤول السفينة الأوكرانية أو فديتها غنيمة باردة إلى أيدي «الإرهابيين»، ولو أن أمريكا حاولت أن تتعايش مع الأصوات المعتدلة في الفصائل الصومالية، وفي حركة طالبان لجنبت نفسها والعالم هذه الفوضى التي يعيشها هذان البلدان. وأما العراق فمع أن أمريكا وجهت ضربات قوية لتنظيم «القاعدة» والدائرين في فلكه، إلا أنها لا تبدو ضربات قاتلة ولا ندري إن كان تنظيم «القاعدة» في العراق يحني هذه الأيام رأسه للعاصفة الأمريكية ليطل برأسه مرة أخرى كما فعلت «المحاكم الإسلامية» بالصومال وطالبان في أفغانستان؟

هذه الأزمات الخطيرة التي فشل الفيل الجمهوري في التعامل معها لا تجعلنا نتفاءل أن ينجح في حلها الحمار الديموقراطي القادم مهما قيل عن صبره وجلده، فهل هذا الفشل الأمريكي في التعامل مع هذه الأزمات المستعصية إرهاص مبكر لبدء العد التنازلي لفك الخناق عن العالم وإيذان بنهاية السيطرة الأمريكية العالمية؟ يبدو الأمر كذلك، فها هي كوريا الشمالية بعد أن حنت نفسها لعاصفة السيطرة والتهديدات الأمريكية بإعلانها عن بدء تخليها عن برنامجها النووي وتفكيكه تعلن هذه الأيام تراجعها عن هذا الإعلان. وروسيا استغلت ورطات أمريكا في الأزمات العالمية لتعلن قدومها بقوة عبر البوابة الجورجية. وإيران هي الأخرى تواصل بذكاء تنفيذ مشروعها النووي، وهي تعرف أنها في مأمن عن العملاق الأمريكي الجريح. انتقال العالم من سيطرة القطب الواحد إلى منافسة أقطاب أخرى من صالح السلم العالمي، لأن العالمَ كان أكثر أمناً أيام الحرب الباردة بين الغرب والشرق منه هذه الأيام في عصر سيطرة القطب الواحد. واسْألوا الناطق الرسمي باسم القراصنة الصوماليين، والذي يتحدث من على ظهر السفينة الأوكرانية المختطفة واضعاً رجلا على رجل ينفث دخان سيجارته منتظراً فدية الثلاثين مليون دولار ويهزأ بأمريكا والعالم الذي أصبح أكثر أمنا!

[email protected]