أهلا بالمصريين

TT

خيرا فعلت القاهرة بزيارة وزير خارجيتها الأخيرة إلى بغداد، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ قرابة 18 عاما للعراق. أهمية الزيارة تأتي في توقيتها، ووزن الضيف السياسي، وهو مؤشر على تفاعل مصري أكبر مع قضية حساسة وهي العراق.

فعندما تتحرك دولة بحجم مصر في الملف العراقي فهذا مؤشر إيجابي، ومهم، ومطلوب، فالسؤال الذي يجب أن يطرح دائما هو: إذا لم تتحرك السعودية ومصر تجاه العراق فمن الذي بوسعه أن يتحرك، ولمن سيترك العراق؟

بكل تأكيد أن الفراغ العربي في العراق سيملأ من قبل الإيرانيين، على كل المستويات، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وحتى ثقافيا، خصوصا أننا نعرف أنه حتى الكتب الإيرانية الداخلة للعراق تحظى بدعم إيراني جعلها متداولة في السوق العراقي بأرخص الأثمان.

والوجود العربي، وتحديدا السعودي والمصري، ليس المقصود منه التدخل في الشؤون العراقية من أجل تقوية طرف على آخر، لأي أسباب. فلا بد أن ندرك أن ما يدور في العراق من أحداث سياسية واقتصادية وأمنية سيؤثر على منطقتنا في نهاية المطاف سواء بالسلب أو الإيجاب.

ولا يكفي أن تعبر الدول العربية عن ريبتها من الوضع في العراق والدور الإيراني فيه عن بعد، ولا بد من وجود على الأرض وتواصل مع كافة المستويات العراقية. فخيرا فعل السعوديون في الشهر الماضي عندما أنجزوا اتفاقية أمنية مع العراق، رعاها وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، وهذا أمر مهم، لأن الأمن قضية القضايا بمنطقتنا.

واليوم يفعل المصريون خيرا أيضا بتواصلهم السياسي مع العراق من خلال زيارة وزير الخارجية المصري. لكن المطلوب هو مزيد من التواصل مع العراق، سعوديا ومصريا، فمن شأن ذلك أن يقدم صورة حقيقية لما يدور داخل العراق، ويضخ جرعة من العقلانية السياسية داخل الدوائر السياسية العراقية.

ومن شأن التواصل مع العراق أن يفتح آفاقا سياسية أكبر للعراقيين، ويساعد على خلق توازن داخل دوائر صناعة القرار في العراق، فبدلا من أن يكون الخيار المتاح أمام العراقيين هو إما إيران، أو إيران، يكون الخيار إما إيران أو الدول العربية ككل.

هذا الحديث ليس انتقاصا من الدول العربية الأخرى، بقدر ما هو الحقيقة التي يعيها كثر من الساسة العرب، ففتح آفاق للعلاقة العراقية مع كل من السعودية ومصر سيخلق واقعا جديدا في العراق أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه إيجابي.

فالعالم اليوم يمر بمطبات قاسية اقتصاديا وسياسيا مع الأزمة المالية التي تعصف بالعالم، وما سوف يترتب على الانتخابات الأميركية القادمة، مضافا إليه المخططات الإيرانية في المنطقة، وعدم المقدرة على توقع ما قد يأتي من دمشق.

كل ذلك يحتم عدم الانتظار، فتأزم الأوضاع في العراق سينعكس بشكل أو آخر على دول المنطقة، وتحديدا السعودية ومصر، وهذا ما سبق أن قلناه مرارا. قد يقول البعض إن التحرك السعودي المصري متأخر، إلا أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي على الإطلاق!

[email protected]