أولمرت فشل في تعليق الجرس

TT

كان أهم وأخطر كلام قيل في تاريخ إسرائيل، لكن يبدو انه تبخر. رسم كلام رئيس وزراء اسرائيل الانتقالي ايهود أولمرت حدودا جديدة للتفكير البراغماتي، رغم انه كلام مسؤول لا مسؤوليات عنده.

في حديثه لصحيفة «يديعوت أحرونوت» راجع أولمرت نفسه واعترف بانه تحدث في المقابلة بما لم يجرؤ على قوله أحد من قبل، وقال خصومه لا بد انه كان مخمورا. اعترف بأن الوقت حان للاعتراف بفشل اسرائيل الكبرى، وان عليها ان تنسحب، بما في ذلك من القدس العربية، وان تعيد الجولان لسورية.

ورغم انهم وصفوا أولمرت بأسوأ النعوت، وتبرأ منه قادة حزبه، الا انه اعتراف سيبقى حاضرا في المناخ العام، في اسرائيل وخارجها. كلنا ندري ان دولة صغيرة مثل اسرائيل هي ضحية غرور قوتها، وجاء أولمرت، الرجل الذي حكم القدس طويلا ثم كل اسرائيل، ليقول: اللعبة انتهت.

صحيح أنه سياسي خفيف الوزن لم يفعل شيئا عظيما في زمن رئاسته، إلا انه قال كلاما تاريخيا. اعترف انه بعد سنوات من المحاولات اخطأ في مشروعه السيطرة على كل القدس، وحذر بان ضمها سيعني ضم ربع مليون فلسطيني الى شعب اسرائيلي مما سيهدد التوازن الديموغرافي. قال، صحيح أن تفوق اسرائيل حقيقي، وقادرة على هزيمة كل خصومها من الدول العربية، لكنها ستدفع ثمنا غاليا للانتصار ايضا، وربما تضطر للتفاوض لاحقا، فلماذا لا تختار إعادة الاراضي لأن احتلال هضبة لن يمنحها السلام.

الاسرائيليون، مثل العرب، يصرون على السير وراء الشعارات رغم انهم يعلمون أنها مضللة ومضرة. وهْمُ التفوق العسكري الدائم عند الاسرائيليين هو مثل وهْم الانتصار العسكري القادم عند العرب. ولأننا نعرف جيدا العيوب العربية في التفكير غير البراغماتي فإن الاسرائيليين عاشوا اكثر ارتياحا بالنصر الموهوم. اسرائيل احتلت الاراضي الفلسطينية والسورية منذ عام 67 وهي لم تحقق من ورائها اي قيمة امنية او اقتصادية او سياسية، بل بقيت عبئا وخطرا عليها، وها هي تصل الى نقطة التفاوض لإعادتها، وكان بإمكانها ان تفعل ذلك منذ زمن بعيد.

أولمرت، وكل من القيادات الاسرائيلية، تفضل ان تهمس بالحقائق في مجالسها الخاصة وتخطب في العلن بما يرضي مواطنيها ويضللهم، فصارت الكثير من الحروب والاحتلالات والانتفاضات، لماذا ؟ ليأتي التفاوض لاحقا. لقد حاول أولمرت أخيرا تعليق الجرس، ولأنه فأر صغير لم يوقظ الكثيرين من سباتهم، ولو أن من حاول تعليق الجرس فأر أكبر منه لدوّى صوته في كل أنحاء اسرائيل، وربما شهدنا زلزالا سياسيا له تبعات فورية.

[email protected]