السياسة عبر ممثلي الادعاء

TT

مع الغموض الذي يصيب مصير وول ستريت، وعدم ملاءمة سارة بالين الذي أثار الاهتمام في النقاشات الدائرة حول منصب نائب الرئيس يوم الخميس، كان من السهل أن نغفل عن قصة مهمة للغاية، إلا أنها جذبت القليل من الاهتمام عما تستحق.

فقد أصدرت وزارة العدل تقريرًا من 400 صفحة، ذكر بصورة غاضبة ما يلي: «خلصت تحقيقاتنا إلى اكتشاف دليل دامغ على أن الاعتبارات السياسية مثلت عاملاً مهمًا في إقصاء العديد من.. ممثلي الادعاء الأميركيين».

هل تذكرون الفصل المفاجئ لـ9 مدعين عموميين أميركيين؟ وهل تتذكرون الادعاءات التي لطخت بها إدارة بوش المبدأ الراسخ منذ أمد طويل بأن العدالة يجب أن تتم إدارتها بنزاهة، وليس بطريقة متحيزة؟ وهل تذكرون الأسئلة التي كانت تدور حول ماذا كان يعلم ألبرتو جونزالس ـ النائب العام الأميركي حينها ـ ومتى علم بشأن القرار؟ وهل تذكرون كايل سامبسون مساعد غونزاليس الذي لعب دورًا مهمًا في عمليات الفصل؟ وهل تذكرون مونيكا غودلنغ العاملة في وزارة الدفاع، التي كانت لها علاقات وثيقة بالبيت الأبيض، بل انها مضت إلى أبعد من ذلك عندما طالبت المعينين المتوقعين بوزارة العدل في أن يصبحوا بليغين بشأن لماذا يريدون خدمة جورج بوش؟

لقد أدارت وزارة العدل تحقيقًا حول الأمر قدر استطاعتها، وخلص التحقيق إلى أن هناك دليلاً دامغًا بأن البيت الأبيض توسط في «3 عمليات فصل على الأقل». وأوصى التحقيق المشترك لمكتب المفتش العام في وزارة العدل ومكتب المسؤولية المهنية بالمزيد من التحقيق لتحديد «إذا ما كان هذا الدليل يشير إلى ارتكاب أية جريمة جنائية أم لا».

وأوضح المحقون أن البيت الأبيض عمد إلى إعاقتهم، مشيرين إلى أنهم لم يتمكنوا من الاطلاع على كافة الأدلة: وذلك «نظرًا لرفض بعض الشهود الرئيسيين في أن نستجوبهم، بالإضافة إلى قرار البيت الأبيض بعدم تزويدنا بوثائق داخلية للبيت الأبيض».

من ناحية أخرى، وإلى حد ما، قرر فريق المحققين من خلال الأدلة المحدودة التي تم السماح لهم بالإطلاع عليها، أن ما تشككنا وما تخوفنا منه يبدو أنه حقيقي بالفعل؛ وهو أن إدارة بوش أقصت 3 ممثلي إدعاء فيدراليين على الأقل ـ والمفترض أنهم كانوا يمارسون وظائفهم بنزاهة ـ لأسباب سياسية متحيزة.

ويقول التقرير: «يبدو» أن تود غريفز ـ ممثل الإدعاء لولاية ميسوري ـ «قد أُخبر بأن يستقيل بسبب النزاع السياسي بين الساسة في ميسوري، وليس بسبب تقييم موضوعي تم إجراؤه على مدى أدائه»، خاصة أن هذا النزاع كان بين عضو مجلس الشيوخ الجمهوري كريستوفر كيت بوند، وبين شقيق غريفز العضو الجمهوري في الكونغرس.

ويشير التقرير أيضًا إلى أن بود كومينز ممثل الإدعاء في أركنساس «لم يتم استبعاده لأي أسباب تتعلق بأدائه، بل تشير الأدلة إلى أن السبب الرئيس لعزل كومينز، كان إتاحة منصب لتيم غريفين المسؤول السابق بالبيت الأبيض».

أما أكثر الحالات سوءًا، فكانت تلك المتعلقة بممثل الإدعاء لنيو مكسيكو دافيد إيغلسياس، فحسبما أفاد التقرير، أن إيغلسياس اُستبعد بسبب شكاوى قدمها السيناتور الجمهوري بيت دومينيسي، ومسؤولون آخرون من الحزب الجمهوري ونشطاء الحزب، الذين كانوا يعتقدون جميعًا أنه ليس حازمًا بالقدر الكافي لملاحقة بعض القضايا المحددة لاحتيال الناخبين والفساد العام ـ وذلك في القضايا المتعلقة بالديمقراطيين.

هذا، ولم ينظر غونزاليس ولا مساعدوه مطلقًا في وزارة العدل إلى كيفية تناول إيغلسياس لتلك القضايا، كما أنهم لم يسألوه حتى عنها، بل جل ما قاموا به هو فصله.

وقد أراد المحققون سؤال سيزار كارل روف ـ السياسي بالبيت الأبيض، وهاريت مايرز ـ مستشار البيت الأبيض، وغولدلنج، وكل من دومينيسي ورئيس فريق العمل الخاص به، حول أي دور لعبوه في فصل إيغلسياس، إلا أنهم جميعا رفضوا أن يتم استجوابهم.

وبإصدار التقرير، أعلن النائب العام مايكل موكاسي، أنه أمر بتدشين تحقيق جديد «لملاحقة تلك القضية، طالما أن الحقائق والقانون يتطلبان ذلك»، متضمنًا بذلك بالطبع أي اتهامات جنائية تم ارتكابها. وتفيد الكثير من الروايات أن موكاسي يبذل جهدًا عظيمًا لتطهير العدالة من تلطيخها بالتحيز الذي خلفه غونزالس وراءه.

وأيًا كانت تلك الحقائق المشينة، فإننا نعلم ما يكفي لجعل الأمور من جديد في نصابها. إن من أداروا حكومتنا على مدار الثماني سنوات الماضية، لم يفعلوا شيئًا سوى عدم احترام الحكومة. كما أن كل ما كانوا يؤمنون به هو السياسة والأيديولوجية. وكانت اهتماماتهم تأتي على النحو الآتي: الفوز بالانتخابات أولاً بأي طريقة ممكنة. ثانيًا: بمجرد الوجود في السلطة، يتم التظاهر بأنهم يعملون من أجل الصالح العام، والحكم بإيمان أيديولوجي راسخ بأن الحكومة إما ليست ذات صلة، أو أنها تضر الصالح العام.

ويمكن للقارئ أن يرسم خطًا مستقيمًا بين فصل ممثلي الادعاء العام الأميركيين لأسباب سياسية، وغض الطرف عن التجاوزات المدمرة لوول ستريت. ماذا تكون نزاهة العدالة في مقابل الفوز بمصلحة سياسية؟ ولماذا نُقيد السوق الحرة بمراقبة وإشراف الحكومة؟

وإذا ما كنت تريد رسم خط قصير آخر، فمن يهتم بأن نائبة الرئيس المتوقعة، لا تعلم، في ما يبدو، أي شيء بشأن أي شيء؟

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)