المصالحات اللبنانية.. والتحالفات الانتخابية

TT

منذ أقل من سنتين، وبعيد لجوء حزب الله وحلفائه الى احتلال الوسط التجاري في بيروت، وبعد بروز مؤشرات خطرة عن أن جو الاحتقان السني الشيعي وصل الى مراحل تنذر بالانفجار، نشر أحد الكتاب المقربين الى السيد حسن نصر الله مقالا في جريدة «السفير» يعترف فيه بأن ما قام به حزبه من تحركات في الشارع يشابه منطق اللعب على حافة الهاوية لأنه أثار الغرائز المذهبية بشكل واضح. لكنه أصر على أن هذه السياسة الخطرة هي ضرورة للضغط على الطرف الآخر وإجباره على القبول بخيارات «المقاومة»، وأكد أيضا على أن «القيادة» بما لها من الفطنة والحنكة سوف تتمكن من اللعب على حافة الهاوية دون الوقوع فيها. في نفس الوقت، لم يتردد الأمين العام للحزب في إحدى خطبه أمام المحتشدين في وسط بيروت بربط هذا الاعتصام بنصر «الوعد الصادق»، أي أنه ساوى الانتصار على حكومة السنيورة بالانتصار على إسرائيل، وهذا أعطى الانطباع لدى جمهوره بأن كل الوسائل من سياسية أو عسكرية أصبحت مشروعة لإخضاع هذه الحكومة!

بناء على ذلك، فإن بذور ما حدث في السابع من أيار، تاريخ غزوة حزب الله لبيروت، زرعت مع قرار اللجوء الى الشارع واحتلال وسط بيروت. وإذا راجعنا سلسلة الأحداث التي تلت نرى أن حملات الشغب والصدامات الدموية لم تكن وليدة صدفة بل إنها نتيجة لعمل مبرمج للضغط على الحكومة والقوى الأمنية، وبالأخص على قوى 14 آذار التي تملك الأكثرية النيابية.

فمن حملات راكبي الدراجات النارية التي تخصصت بترويع أهل بيروت (ويقال أن معظم هذه الدراجات استوردت لحساب حزب الله)، الى الصدامات في جامعة بيروت العربية وبالأخص الى مظاهرات الضاحية الجنوبية التي أدت الى مقتل عدد من المتظاهرين في مواجهات مع الجيش وأدت الى شل دوره لاحقا في غزوة بيروت، كلها لم تكن الا جزءا من مخطط «اللعب على حافة الهاوية» الذي تحدث عنه كاتب حزب الله. ولكن النصر الافتراضي الذي وعد به السيد حسن نصر الله تطلب الوقوع في هاوية الصراع المذهبي المفتوح الذي تمثل في وصول لبنان الى درجة من الاحتقان المذهبي شابه وربما فاق الاحتقان الطائفي الذي ساد عشية الحرب الاهلية في لبنان سنة 1975.

وقد أثبتت الاحداث التي تلت غزوة بيروت، التي سماها حزب الله بالعملية الموضعية، بأن تداعيات هذا الحدث أدت الى إشعال عدة جبهات على هذه الخلفية من ضمنها ما حدث في البقاع وطرابلس وهذا يعني عدم امكانية حصر الحدث بعملية موضعية. وقد دخل لبنان بعدها في عملية استنزاف عبثية كانت ستؤدي في حال استمرارها الى خسارة عامة على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية، وقد بدأت مؤشرات مقلقة بعد مؤتمر دمشق الأخير الذي جمع قيادات فرنسا وسوريا وقطر وتركيا، حاول من خلالها الرئيس السوري تحريض المجتمع الدولي لدعم تدخله في لبنان على خلفية ما حدث في طرابلس. وهذا التدخل إن كان يعتبر قاتلا بالنسبة لقوى 14 آذار، فهو غير مرغوب فيه بالنسبة لحزب الله لأنه قد يدخل عناصر جديدة معوقة على حريته المطلقة في التحرك، خاصة بعد بروز بداية تمايز في التحرك بين النظامين السوري والايراني. وقد حاول الحزب إحداث خرق من خلال الوثيقة مع أحد الأطراف السلفية السنية، ولكنها أدت الى عكس المرجو منها.

بالمحصلة فإن المبادرة التي أطلقها النائب سعد الحريري لم تأت الا لقناعة بأن الأطراف المحلية مستعدة سياسيا لها، لحاجتها بأجمعها الى فترة هدوء لاستجماع القوى وإعادة رسم استراتيجيات جديدة للمرحلة المقبلة على منطقة الشرق الاوسط والتي تنعكس عادة بشكل دراماتيكي على لبنان.

لذلك فإن ما سمي بالمصالحات، وإن كانت أنتجت ارتياحا واضحا في الشارع اللبناني فإنه يمكن وصفها بشكل أدق بفك الاشتباك الأمني وتحويله الى اشتباك سياسي لأن مسببات الخلاف الأساسية بقيت هي نفسها التي كانت عشية خروج وزراء حزب الله وحركة أمل من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة منذ سنتين. لذلك فإن محاولات تصوير هذه المصاحات بأنها إحياء لتحالفات سياسية او انتخابية قديمة أو تموضعات مستجدة هي بعيدة عن الواقع. فالخلاف السياسي بين مكونات قوى 14 آذار وحزب الله لا يزال عميقا، إن لم يكن أكثر من قبل، وهو خلاف على فلسفة وجود الكيان اللبناني، وعلى الدستور وعلى منطق الحكم وعلى طبيعة السلطة والنظام السياسي وبالأخص على موقع لبنان في الصراع الدائر في المنطقة. والواقع هنا أن كلا الطرفين سوف يحاولان تأكيد شعبية طروحهما من خلال الحصول على الأكثرية النيابية في الانتخابات المقبلة هذا اذا لم تحدث معجزة غير متوقعة من خلال جلسات الحوار التي دعا اليها رئيس الجمهورية تؤدي الى توافق حول الاسترتيجية الدفاعية التي قد تكون مدخلا للتوافق حول المواضيع الخلافية السياسية، ولكن هذا الهدف قد يكون تحقيقه من رابع المستحيلات في ظل الوقائع المؤسسة لوجود حزب الله وقناعاته العقائدية المرتبطة بشكل عضوي مع مبدأ نشر سلطة الولي الفقيه.

على كل الأحوال، فإن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حبلى بالاحداث والمعطيات التي قد تغيير أو تؤكد مسار ومصير الوضع في لبنان.

* نائب برلماني لبناني