علاقة حماس بمصر تربطها المصلحة والمصالحة

TT

ما من شك أن المتابع لطبيعة العلاقة بين مصر وحماس يستطيع أن يحدد بوصلتها ويتعرف على معالمها، ولكنه قد يتردد كثيراً عند الحديث عن نهاية مطافها أو سيناريوهات متوقعة لها، وذلك لأسباب عديدة فرضت نفسها على طبيعة هذه العلاقة وأثرت عليها وجعلتها بين المد أحياناً وبين الجزر أحياناً أخرى.

فطبيعة العلاقة بين مصر وحماس تحكمها وتتدخل فيها أمور عديدة وكثيرة، لا سيَّما أن حماس خرجت من رحم الإخوان المسلمين وفازت في الانتخابات التشريعية على عكس الحسابات الإقليمية والدولية وحاربت التمرد العسكري في غزة وسيطرت عليها بعد محاولات عديدة للإنقلاب على شرعيتها ومحاولة إقصائها، أضف إلى ذلك، حضور الدور المصري في إدارة ملف التهدئة وشاليط ومعبر رفح والحوار، إلا أن حماس لم تسع إلى تغيير نظرتها أو سياساتها في التعامل أو في طبيعة علاقتها مع مصر ربما لأن حماس لها استراتيجيه واضحة في التعامل مع الدول العربية وتحديداً مصر ومع دول العالم أجمع، وهذه الاستراتيجية تعتمد على أساس احترام الدول وسيادتها على أرضها وعدم التدخل في أي من الشؤون الداخلية لأي دولة والعدو الرئيسي هو الاحتلال الصهيوني على قاعدة أننا لن نكون في جيب أحد. وقد استفادت حركة حماس، من تجارب حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عندما أصبحا في كثير من الأحيان أدوات في أيدي الأنظمة العربية والدولية وتدخلوا في السياسات الداخلية للدول والتوازنات الطائفية والحالات الأمنية والعسكرية، فدفع الشعب الفلسطيني الثمن غالياً في تل الزعتر وأيلول الأسود وفي الحرب الأهلية اللبنانية وحرب المخيمات وإبان حرب الخليج.

ويمكننا القول بشكل واضح ان استراتيجية حماس ثابتة، وهي لم ولن تتغير، برغم كل التوترات الداخلية والخارجية والتي كانت بمثابة زلزالاً لحركة حماس. إلا أن مصر من جانبها ومن طرفٍ واحد قامت بعدة خطوات لا أعتقد أنها موفقة باتخاذها. وعلى رأسها خروج الوفد الأمني من غزة، رغم أنه كان يتمتع بعلاقة جيدة مع حركة حماس والتي اعتبرته ركيزة قوية في حل كثير من الخلافات مع حركة فتح. ونقل السفارة المصرية من غزة إلى الضفة، على الرغم من قناعات الجانب المصري بصوابية وأحقية دفاع حماس عن شرعيتها والخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني.

هذا ناهيك عما شنته وسائل الإعلام المصرية من هجمة على حركة حماس للنيل من مواقفها وتشويه سمعتها والنيل من مصداقيتها والزج بها في أتون سجال عقيم، وتحديداً بعد تدافع الجماهير الفلسطينية في غزة باتجاه الحدود المصرية بعد أن ضاقت بهم السبل وتقطعت بهم الأسباب فوجود ملاذاًَ أمناً إلى دولة مجاورة وشعب طيب وقف إلى جوارهم. ولا أعتقد أن هذه جريمة تستدعي هذه الهجمة من وسائل الإعلام المصرية، بقدر أن مصر على المستوى الرسمي وعبر وسائلها الإعلامية الرسمية، كان بإمكانها أن تسجل موقفاً عربياً وقومياً وإنسانياً وأخلاقياً يحفظه لها الشعب الفلسطيني بدل لغة التهديد والوعيد التي خرجت من وزير خارجيتها الذي غرد خارج السرب المصري.

ونحن نرى في المقابل، ان انتقاد حماس لمصر، عندما ترفض أن تتعامل مع الحركة إلا من منظور امني فقط، وما رافقه من احداث بينها منع الوفد البرلماني الفلسطيني من الخروج عبر معبر رفح كي يساهم في تشكيل رأي عام عربي يعزز من صمود الشعب الفلسطيني، أو منع الوفود المتطوعة والمتضامنة مع غزة من الوصول إلى غزة. أو مطالبتنا لمصر والضغط عليها للإيفاء بوعدها بفتح معبر رفح بعدما التزمت الفصائل بكل بنود التهدئة، يجب ألا يعتبر توتراً في العلاقات بين مصر وحماس، فمن الطبيعي أن نطالب بحقنا واستحقاقات شعبنا ونحث مصر وغيرها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يجب أن تدفع حماس في كل مرة الثمن؟ وينعكس ذلك على علاقتها مع مصر أو دول أخرى. ولماذا إذا فزنا في الانتخابات أو دافعنا عن شرعيتنا، أو رفضنا المخططات الصهيوأمريكية، أو رفضنا الاعتراف بالاحتلال أو اكدنا على مقاومتنا له تقوم الدنيا ولا تقعد. في حين من يتآمر على حماس وعلى شرعيتها، ويخطط للعودة إلى غزة بدبابات إسرائيلية، ويعترف بالاحتلال، وفشل في الانتخابات وتوافق مع كل الإملاءات الأمريكية والصهيونية يحظى بالاحترام والاهتمام في مصر التي احتضنت قيادات التمرد العسكري التي تسرح وتمرح كما تشاء في القاهرة. وحتى من كان مجرماً وقتل العديد من أبناء غزة وبينهم علماء وصحافيين وأئمة مساجد يصول ويجول في مصر كما يشاء. في حين أنهم في الوقت نفسه من عطل تفاهمات القاهرة ودمر اتفاق مكة وتنصل من إعلان صنعاء.

وهل المطلوب من حماس أن تلغي شرعيتها، وتتنكر لشعبها وشعبيتها، وتعفو عن المجرمين والفارين من العدالة والقانون، وأن توافق على عودة الاحتلال على معبر رفح، وأن تعيد الأمور إلى سابق عهدها من فوضى، وفساد، وفلتان، إلى قطاع غزة، حتى ترضى عنها مصر، وتتمتع بعلاقات دبلوماسية كالتي يحظى بها كل من يريد شطب حماس من المعادلة السياسية الفلسطينية. على أية حال، فإن إستراتيجية حماس واضحة لمصر، ولغيرها. وأن حماس لن تكون في جيب أحد، مع حرصها على علاقات متميزة مع مصر ومتينة مع غيرها. وان حماس ستحافظ على شرعيتها وعلى مصالح شعبها وعلى مقاومتها، ولا يقبل عاقل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها من فوضى وعنف وفلتان وفساد.

وفي المقابل فان حماس حريصة على مصر والعلاقة معها كحرصها على نفسها وعلى مصالح شعبها، ولن تتأثر هذه العلاقة بالشائعات ولا بالمناكفات. ويجب ان يكون واضحا ان حرص حماس على الدور المصري وثقتها بها، تجعلها تسعى إلى تطوير هذه العلاقة والارتقاء بها، وتجعلها متمسكة بدورها في كل الملفات المنوطه بمصر، وعلى رأسها ملف الحوار والأسرى والتهدئة.

* الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس