الزواج الطفولي

TT

الحكيم الفرعوني (بتاح حوتب) المتوفى قبل ألف سنة من مولد المسيح ينصح الشاب المقدم على الزواج من فتاة قائلاً:

«أشبع جوفها، واستر ظهرها، وعطر بشرتها بالدهان، وأسعد فؤادها، واستمل قلبها بعطاياك لكي تستقر في دارك، فهي حقل نافع».

ولا شك أن ذلك الحكيم كان سابقاً لزمانه، فنصيحته تلك تصلح أن تكون خالدة في كل العصور، طالما بقيت مؤسسة الزواج معمولاً بها، أما إذا انقرضت فقل على نصائح عمنا (حوتب) السلام.

وبما أننا في صدد هذا الحديث الظريف الذي يجمع الرؤوس بالحلال، فهناك تقليد كان معمولاً به في الصين القديمة وهو أنه عندما يبلغ عمر الطفل الذكر أربعة أو خمسة أعوام، يبحثون له عن عروس ويزوجونه إياها ـ وهذه ممكن أن نهضمها ـ لكنهم يشترطون أن تكون أكبر منه بعشر أو خمس عشرة سنة، وأيضاً أن تكون جميلة، وسليمة البنية من أية عاهة، لا هي عوراء ولا عرجاء، وبصحة جيدة وخالية من الأمراض، وفي الحفلات تعرف كيف ترقص.

وعليها أن تخدم طوال هذه المدة أهل عريسها أو (زوجها) الطفل إلى أن يبلغ الحلم، ويدخل بها.. كما أن عليها فوق ذلك أن تدلل زوجها وتداعبه وتقص عليه الحكايات حتى ينام، وإذا (بال) في فراشه فعليها أن تنظفه وتنظف فراشه، وعليها أخيراً أن تنام بجانبه كأي زوجة مطيعة.

وعندما يكبر الطفل ويبلغ الحلم ساعتها هو يقرر، والغالبية من هؤلاء الأطفال عندما يكبرون لا يعتبرون اولئك الزوجات غير أخواتهم الكبيرات أو المربيات، فغالباً ما يتم الطلاق، ويتزوج الواحد منهم بفتاة أصغر منه أو في عمره على الأقل، ولا يكون نصيب تلك الزوجة الأولى المسكينة غير خدمة أهله وتربيته وتنظيف فراشه والرقص في الحفلات.

والغريب أنهم حكوا عن حالات نادرة، استطاع بها بعض الأطفال أن يعاشروا زوجاتهم معاشرة طبيعية، وقد اعتبر أهل هؤلاء الأطفال أن تلك الممارسات لا بأس بها، بل إنها مستحبة، لأنها نوع من التدريب واكتساب الخبرة على مبدأ أن (التعليم بالصغر كالنقش بالحجر)، وليس كمثل بعض الناس الآن الذين بلغوا من العمر عتياً وخطر في بالهم أن يتعلموا أخيراً، ولن ينفع معهم أي تعليم، لأن (التعليم بالكبر كالكتابة على الماء أو الهواء)، وتراهم والعياذ بالله، كأعجاز النخل الخاوية المتحركة.

وخطر على بالي وتخيلت لو أنني كنت صينياً وولدت في ذلك الزمن الجميل، فكيف سوف تكون أموري؟!، لا شك أنني سوف أكون سعيداً جداً، خصوصاً وأنني أجد كل ليلة يداً حنونة ترعاني، وتحكي وتغني لي، و(تهشّكني وتبكشني) إلى أن أغفو بأمان وسلام، ثم تضطجع هي بجانبي وتحتويني كأي زوجة تريد أن تحافظ على زوجها!.

الشيء الوحيد الذي نكّد عليّ خيالي هي مقاييسهم للجمال في ذلك الوقت، فأنا مثلاً سواء كنت صينياً أم غير صيني، فلا تعجبني العيون الضيقة ولا الأسنان الصفراء، وهم في ذلك الوقت يشترطون على الزوجة أن تكون عيناها ضيقتين، وكلما كانت أضيق كانت أجمل ومرغوبة أكثر، كما أنهم يشبهون الأسنان الناصعة البياض بأسنان الكلب.

ونتيجة لهذه القراءة المشوقة، التبس عليّ الأمر والوهم، إلى درجة أنني كلما شاهدت الآن طفلاً عمره ما بين الرابعة والخامسة تخيلت رأساً أن زوجته سوف تضطجع بجانبه في الليل.