الدنبوشي!

TT

لست أدري من أين جاءت إلى قاموسنا الشعبي كلمة «دنبوشي»، وتعني السحر، وبصورة خاصة السحر في المجال الرياضي، وكل ما أتذكره أنها كانت مفردة متداولة خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وربما أتت مع قدوم لاعبي الكرة السودانيين في تلك الفترة للعب مع أنديتنا، وهم ربما استمدوا كلمة «دنبوشي» من بعض اللغات الأفريقية المجاورة، حيث ينتشر السحر في ميادين الكرة على مستويات الأندية والمنتخبات في بعض الدول هناك، ولبعض تلك الفرق سحرتها وكهنتها، ولهم أماكنهم المعروفة في الملاعب الرياضية أثناء إقامة المباريات.

وفي مجتمعنا الرياضي خلال تلك العقود الخالية وجد من يبرر الهزائم الكروية بفعل «الدنبوشي» الذي لجأ إليه الفريق المنافس، وكلاعب كرة فاشل في تلك المرحلة أذكر أن ساحرا من دولة عربية اكتسب شهرة لدى أولئك القلة ممن كانوا يشغلون أنفسهم بذلك الوهم، وقد عرض ذلك الساحر على رئيسنا في النادي الأهلي آنذاك جميل قمصاني أن يعمل لنا «دنبوشي» يمكننا من الفوز على أحد الخصوم مقابل سبعة آلاف ريال، وما أدراك ماذا تعني السبعة آلاف آنذاك. وكان القمصاني ضابط شرطة محنك فوافق على أن يدفع للساحر ضعف المبلغ، سبعة للفوز على الفريق المنافس، والسبعة الأخرى مقابل أن يطيل لسانه حتى يتدلى على لحيته، باشتراط أن يحقق الغايتين معا، وإلا فإنه لن يحصل على المبلغ المتفق عليه. وحاول الساحر أن يلعب على الوتر النفسي فيخيف رئيسنا من عواقب التحدي، فلم يجد من الرئيس سوى المزيد من الإصرار.. وفي تلك المباراة فاز فريقنا، لكن لسان الرئيس ظل في مكانه من غير أن يتضخم أو يزداد طولا، ولم يمض أسبوع حتى كان الساحر ضمن المبعدين عن البلاد إلى غير رجعة على الباخرة التي غادرت ميناء جدة ذات ظهيرة حارقة.

وكان ذلك الرئيس وعدد من القيادات الرياضية ممن أسهموا في نشر الوعي الرياضي، ومنع الخرافات والشعوذة والدجل من التسلل إلى عالم الرياضة المعروف بنقائه وأخلاقياته ورقيه، وكانت النتيجة سلامة أجواء الكرة في السعودية من مثل هذه الخزعبلات، ومثلها الكرة الخليجية أيضا، وما حدث من أحد لاعبي الإمارات المعروفين قبل أيام ـ لو صح ما نشر عنه ـ من لجوء إلى السحرة لضمان استمراره في قائمة المنتخب الأول، ونيل رضا مسؤولي الاتحاد الإماراتي لكرة القدم يعتبر أمرا ساذجا واستثنائيا، ولا يحسب بحال من الأحوال على مستوى وعي الرياضيين في الإمارات العربية الشقيقة.. وحسنا فعلت السلطات الأمنية بإلقاء القبض عليه من دون أن يحصل على بلح العراق أو تفاح الشام.

لو كان بمقدور أولئك الدجالين أن يحققوا الانتصارات الكروية لكان أحرى بالأندية العالمية الكبرى بدلا من دفع عشرات ومئات الملايين لشراء اللاعبين أن تشتري فريقا بأكمله من الدجالين، ورزق الهبل على المجانين.

[email protected]