انتهى عرض مسلسل اسمهان على الفضائيات وبدأ مسلسل آخر من الرصاص ومن الدعاوى أمام القضاء، ومسلسل آخر من الاحتجاجات في الصحف. وبعض الشكاوى والدعاوى تقول ان المسلسل تعرض لسمعة أميرة من أمراء جبل الدروز، الذي عرف أهله بالمحافظة الشديدة وبضوابط أخلاقية واجتماعية أشد. وعلى سبيل المثال يصور المسلسل المطربة الساحرة بأنها كانت تسرف في لعب القمار، وانها تحاشت العودة الى زوجها الأول، الأمير حسن الأطرش، بالاضافة طبعا الى دورها المزعوم في التخابر مع الانكليز. وفي احد النقاشات التلفزيونية حول المسلسل قال محاور ان المصريين تجنوا على اسمهان، حية وميتة. ففي حين صوروا أم كلثوم محافظة لا تخرج ولا تسهر، صوروا اسمهان في كل مكان.
اعتقد ان ثمة خلطا بين مسألتين مختلفتين تماما، وان كانت الشخصية واحدة. فالمسلسل لا يتناول آمال الاطرش بصفتها من أهم العائلات الدرزية في «جبل العرب»، بل يعرض حياة فنانة تميزت بصوت رائع، وكانت جزءا من المجتمع الفني في مصر ولبنان وفلسطين، خلال الوجود البريطاني في البلدان الثلاثة وإبان الحرب العالمية الثانية. وكمثل أي فنانة في حجمها، كانت هناك شائعات كثيرة وكانت هناك حقائق، لكن المؤلفات والمذكرات الرسمية و«الوثائق»، رسمت لأسمهان صورة سيدة مضطربة في حياتها الخاصة، وتائهة في القرار والاستقرار.
وقد كان الاستاذ محمد التابعي صديقها وكاتم أسرارها والرجل الذي ادعى انها كانت تلجأ اليه في كل مشورة او نصيحة. وقد ملأ التابعي الدنيا كتابات عن اسمهان العاشقة واسمهان الخائفة واسمهان المبذرة حتى الافلاس. واعتقد ان التابعي كان المصدر الأساسي للألوان الفاقعة التي رسمت بها صورة اسمهان. على انه لم يكن وحده في ذلك. ومن الذين رشقوا السيدة بالحبر كان المفوض السامي البريطاني في لبنان ادوارد سبيرز الذي زعم في مذكراته ان العائلة كانت وراء مقتل اسمهان بسبب سلوكها.
كتب سبيرز ذلك بفظاظة وسخرية وتعجرف واضح، لكنني سمعت ان سبيرز ذهب لزيارة ارملة وزير خارجية لبنان الراحل ميشال زكور. ورآها تضع في صدر الدار صورة لها مع اسمهان، فسألها، هل هي صديقتك؟ فقالت السيدة لميا غريب زكور:«اسمهان صديقة قريبة جدا، وسوف تأتي لزيارتنا هذا الصيف». فرد سبيرز ساخرا: «اسمهان لن ترى سماء لبنان مرة أخرى».
ولم تنتبه السيدة زكور الى هذه الجملة إلا بعد أشهر قليلة عندما سمعت نبأ غرق صديقتها، التي كانت سكنت في بيروت في نفس الشقة التي قطنتها هي مع عائلتها من قبل.