«دراما الممانعة»

TT

لعلّ صناع الدراما «الرمضانية» هذا العام قد استجابوا لواحدة من الدعوات التي يواصل إطلاقها بعض شيوخ الفضائيات والدعاة الجدد والتي تدعو لأصحاب التلفزيونات وللعاملين بالفن عموماً بالهداية رداًَ على ما يراه أولئك الشيوخ ومريدوهم تفلتاً وخروجاً عن تقاليد مجتمعاتنا.

ففي بلادنا التي تنتج فتاوى من نوع قتل الفأر الكارتوني الشهير «ميكي ماوس» بتنا نجد استجابة سريعة لحراس النوايا من نوع المطالبين بقتل فأر افتراضي لأنه حيوان «مستقذر» ولا ينبغي أن يتعلق الأطفال به. والاستجابة المفترضة هذه تتجلى في الأفكار التي روجت لها دراما مسلسلات شهر رمضان هذه السنة بشكل مضاعف عن السنوات الماضية خصوصاً تلك التي تقدم لنا «الحارة» كنموذج لمعنى الأخلاق والبطولات والملاحم الشخصية والوطنية المقاومة للاستعمار حتى بات ذلك النموذج ينافس الخطب الرنانة التي يدعو لها «المقاومون» و«الممانعون» من سياسيينا..

ما هي أخلاقيات الحارة التي تقدمها تلك الدراما!

إنها ببساطة أخلاق الريف والقرية ونبذ المدينة والتمدن. إنها الانبهار بالزعيم: بسحره وقوته وعدله ورجولته. إنها تقديس السلاح بصفته أداة رجولة ودفاع لا تستقيم الحياة من دونه. إنها أخلاق رفض الأجنبي ونصرة ابن العم ظالماً أو مظلوماً. إنها ثقافة نفي سلطة الدولة والنظام .

إنها ثقافة لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.. أليست هي «حرمة» و«مستورة» وهي المسؤولة عن مصاب «الزعيم» كما في مسلسل «أهل الراية».!!

المفارقة هي قوة الإقناع التي برعت فيها دراما «الحي». تلك الإمكانات الكبرى انتاجاً وتمثيلاً وديكورات وحوارات جعلت من فكرة الذكورة المهيمنة جذابة ومن «الحرمة» المتوارية خلف العباءة إغواء كوزموبوليتياً. مرة جديدة وبعد «الحاج متولي» تبدو فكرة الزوجة الثانية والثالثة وأكثر أمراً محبباً ومرغوباً.

إنها ليست دعوة للإلغاء أو المنع، فمن يرغب في تلك الحارات فهذا شأنه لكن ماذا عن الحارات الحقيقية التي نعيشها ويحاذر صناع الدراما من مقاربتها!!

دراما الحارة النقية التي نراها للسنة الثالثة على التوالي لم تنجح في تقديم ملمح فعلي لحاراتنا التي وإن كنا نشعر بانتماء لها إنما ما زلنا إلى اليوم نكابد من ضيقها ومن تبوئها قيماً سلبية لا تمت إلى ما ندعيه من قيم بأي صلة.

الحارة النقية تلك التي تُقَدسُ فيها معاني إقامة الحدّ وسحر السلاح ويغيب عنها القانون كقيمة سلبية فقط لأنه نتاج ثقافات الآخرين، هذه الحارة يقترح علينا من يعيدون انتاجها باستبدالها بقيم حياتنا الحديثة.

واللافت في انتاج هذه الدراما أنها تستعين بتقنيات الحداثة والتقدم في مواجهة قيم الحداثة والتقدم نفسه الذي تنتقده. أليس هذا ما فعله تنظيم «القاعدة» عندما حاول تدمير الحداثة بوسائلها في 11 سبتمبر 2001 وفي غيره من المحطات!!.

هذا الكلام لا يعني أننا نطالب بشطب الحارة كنموذج لدراما حياتنا وإنما دعوة أولا لتقديم الحارة على حقيقتها، بسلبياتها وإيجابياتها. وثانياً لإقامة مسافة نقدية تساعد على صياغة تطلّب مختلف من ثقافة الحارة.

diana@ asharqalawsat.com