«حزب الله الفلسطيني».. أَهُوَ مجرد فقاعةٍ استخبارية؟

TT

كل ما قيل عن إنشاء «حزب الله الفلسطيني» وتشكيله «يحتاج الى المزيد من التدقيق والمراجعة؛ فالساحة الفلسطينية عرفت منذ انطلاق الثورة المعاصرة عام 1965 الكثير من التنظيمات التي تشبه النَّبت الشيطاني الذي ينمو بسرعة ويجف ويختفي بسرعة؛ وهنا فإنه بالإمكان إيراد أسماء عشرات الفصائل التي أنشئت في دهاليز وأقبية المخابرات العربية وغير العربية لأسباب ليس لها علاقة لا بفلسطين ولا بهذه القضية التي ارتكبت باسمها مآس كثيرة.

لقد شهدت الضفة الغربية وغزة قبل هذا الـ«حزب الله الفلسطيني» الذي ستثبت الأيام وقريباً أنه إما مجرد فقاعة إعلامية بهدف التشويش على أحد التنظيمين الرئيسيين المتصارعين حركة «فتح» وحركة «حماس» أو أنه صنيعة استخبارية لدخول الساحة الفلسطينية بعنوان جديد على غرار العناوين الكثيرة السابقة للعديد من الأسماء الفصائلية البراقة التي في معظمها تحمل دلالات إسلامية مصطنعة ومفتعلة.

والمعروف أن غزة تحولت الى مصنع للتنظيمات، التي تحمل أسماءً إسلامية، ليس منذ سيطرة «حماس» عليها بعد الانقلاب الدموي الذي قامت به منتصف يونيو (حزيران) عام 2006 بل وقبل ذلك بكثير فهناك «جيش الإسلام» الذي هو في حقيقة الأمر تنظيم عائلي أجَّر بندقيته أولاً لحركة المقاومة الإسلامية ثم الى حركة «فتح» والسلطة الوطنية، والذي ثبت أنه كان على اتصالٍ في فترة من الفترات بـ«حزب الله» اللبناني، وتلقى أموالاً منه وفقاً للاعترافات التي أدلى بها أحد رموزه بعد اعتقاله من قبل المخابرات الإسرائيلية. وهناك أيضاً «كتائب أحرار الجليل» ومجموعات «عماد مغنية» و«جيش الأمة» الذي قدم نفسه الى الإعلام والرأي العام الفلسطيني في هيئة مجموعة من الملثمين يقفزون من فوق إطارات مشتعلة، وهم يرددون هتافات إسلامية وخلفهم «لافتة» عريضة تحمل اسم «القاعدة» وشعاراتها. ولقد ثبت باليقين القاطع ان هذا «الجيش» هو أحد «فبركات» «حماس»؛ والهدف هو أنها أرادت ان تقول لمن يهمه الأمر ان البديل عنها وعن عدم الاعتراف بها هو تحول قطاع غزة الى

«تورا بورا» ثانية. إنه أسلوب جديد قديم، فالمعروف أن حركة «فتح» لجأت في بدايات سبعينات القرن الماضي الى اختراع تنظيم وهمي هو: «أيلول الأسود» حيث قامت مستخدمة هذا الاسم بسلسلة من العمليات العسكرية بأوروبا الغربية، تحديداً، من بينها استهداف شبكات «الموساد» الإسرائيلي واغتيال بعض ضباطه رداً على اغتيال عدد من المناضلين الفلسطينيين، مثل وائل زعيتر ومحمود الهمشري ومحمود صالح، وبينها عملية «ميونيخ» الشهيرة التي استهدفت الفرقة الرياضية الإسرائيلية المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية العالمية.

هذا على المدى البعيد؛ أما على المدى القريب، فإن حكاية «فتح الإسلام» بقيادة شاكر العبسي الذي بعد ان انتهت مهمته عاد الى قواعده في دمشق سالماً غانماً، باتت معروفة وبات في حكم المؤكد أنه لا يوجد أيُّ تنظيم بهذا الاسم وأن كل ما في الأمر ان جهاز المخابرات العربي إيَّاه قد اخترع هذا التنظيم بالتنسيق مع أحد انشقاقات الساحة الفلسطينية واستخدمه في تلك المهمة القذرة التي أساءت للفلسطينيين والنضال الفلسطيني.

لا يوجد على الإطلاق تنظيم فلسطيني اسمه «كتائب أحرار الجليل»، ولا يوجد على الإطلاق تنظيم فلسطيني اسمه «مجموعات عماد مغنية»، وكل ما في الأمر ان حزب الله اللبناني، اعتماداً على الأموال الإيرانية وعلى بعض تنظيمات الفلسطينيين الكبرى والصغرى والحقيقية والوهمية، تمكن من اختراق الساحة الفلسطينية وتمكن من تجنيد بعض الأفراد داخل هذه التنظيمات ومن خارجها وتكليفهم بالقيام ببعض العمليات التي اعتبرت ردّاً على اغتيال المسؤول العسكري لهذا الحزب في دمشق في تلك الحادثة التي لا تزال تحوم حولها الشبهات وتثير أسئلة كثيرة. وهنا، فإن ما هو شبه مؤكد ان عمليات الجرافات والسيارات الانتحارية التي اجتاحت شوارع القدس الغربية، والتي أسقطت عدداً من الضحايا الإسرائيليين بين قتلى وجرحى، والتي هناك اعتقاد بأنها قد تصبح ظاهرة في العمل الفلسطيني «المقاوم» غير بعيدة عن اختراقات حزب الله اللبناني للساحة الفلسطينية، وغير مستبعد أيضاً ان تكون قامت بها إما حركة «حماس»، وإما «حركة الجهاد الإسلامي» لحساب هذا الحزب ولإعطاء مصداقية للتهديدات التي أطلقها السيد حسن نصر الله في أعقاب اغتيال عماد مغنية في دمشق.

لقد تمكن حزب الله نتيجة التداخل بين الوجود التنظيمي للفصائل الفلسطينية في لبنان والخارج والوجود التنظيمي لهذه الفصائل في غزة والضفة الغربية، وأيضاً في الأرض المحتلة منذ عام 1948، من اختراق حتى حركة «فتح» وإنشاء بعض الخلايا التابعة له في كتائب الأقصى وغيرها، وهذا يؤكد ان كل هذه الأسماء من «كتائب أحرار الجليل» الى مجموعات «عماد مغنية» الى

«جيش الإسلام» هي أسماء «حركية» وهمية لكل هذه الاختراقات.

لا يمكن ان يسمح حزب الله (اللبناني) بظهور نسخة سنِّية عنه لا في فلسطين ولا في مصر ولا في الجزائر ولا حتى في العراق؛ فهو تنظيم مذهبي وطائفي نقيٌّ لا يوجد فيه أي لونٍ آخر غير لونه الأساسي، والدليل هو أنه لم يثبت أنه يضم أي مسلم من أهل السنة ولا أي مسيحي في صفوفه لا على مستوى القاعدة ولا على مستوى القمة، ولذلك فإن أقرب الاحتمالات الى الحقيقة هو ان «حزب الله الفلسطيني»، هذا الذي أعطاه الإعلام أكثر من حقيقته كثيراً، إما ان جهات في حركة «فتح» اخترعته لتُشوِّشَ به على حركة «حماس» أو ان حركة «حماس» اخترعته لتشوش به على حركة «فتح» وعلى غيرها أو ان جهازاً استخبارياً أراد اختراق الساحة الفلسطينية المخترقة دائماً بهذا الاسم البراق الذي يشير الى أمورٍ كثيرة.

لا يمكن ان يسمح الولي الفقيه السيد علي خامنئي، الذي هو القائد الأعلى لكل فروع حزب الله في إيران ولبنان والعراق وفي كل الأمكنة الأخرى التي يوجد فيها، بظهور حزب سني بهذا الاسم فهذا أمـر محسوم ولا نقاش فيه، وهذا معناه إذا كان هناك فعلاً شيء حقيقي اسمه «حزب الله الفلسطيني» فإن حركة التشييع التي تقوم بها إيران تمكنت من إيجاد مجموعة شيعية في غزة.. وربما أيضاً في الضفة الغربية.

جاء في تلك الرسالة المفتوحة التي كانت بمثابة الإعلان التأسيسي لحزب الله اللبناني، والتي أذاعها باسم هذا الحزب إبراهيم الأمين السيد في 16 فبراير (شباط) 1985 «إننا نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل في الولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله»، وقال في وقت لاحق: إننا لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران.

وقال السيد حسن نصر الله في بعض خطبه: نحن ملزمون باتباع الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته فولاية الفقيه كولاية النبي والإمام المعصوم».. ولذا، فهل ان حزب الله الفلسطيني هذا يتبع للولي الفقيه الذي هو الآن السيد علي خامنئي أم أن كل ما في الأمر ان هذا هو مجرد فقاعة استخبارية جديد في الساحة الفلسطينية..؟!