الفشل المكتوب على أحجار الضفة الغربية

TT

جاء آخر اتصال هاتفي من صحافي في الدنمارك، كان يسأل: لماذا يستمر الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية على الرغم من مفاوضات السلام التي تعقد مع الفلسطينيين؟

لقد اعتدت على هذا السؤال بصفتي مؤرخا للمستوطنات. يصر رئيس الوزراء المنتهية ولايته إيهود أولمرت على أن مستقبل إسرائيل يعتمد على حل إقامة دولتين، وبناء منازل جديدة في المستوطنات يجعل من الصعب الانسحاب. عندما عقد الرئيس بوش مؤتمر أنا بوليس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان هناك جدل إعلامي حول تجميد بناء المستوطنات. وقال أولمرت إن كل طلب للبناء من داخل الحكومة يتطلب موافقته. ولكن في العام الماضي، زاد البناء، على الرغم مما قاله أولمرت، وعلى الرغم من التزام بوش المفترض بـ«خارطة الطريق» لعام 2003، التي تنص على وقف بناء المستوطنات.

وفقا لمشروع مراقبة المستوطنات في منظمة السلام الآن، فإنه يجري بناء حوالي ألف وحدة سكنية في مستوطنة معالية أدوميم. وفي جيفات زيف، وهي واحدة من المستوطنات التي تحيط بالقدس، تم إقرار مشروع بناء 750 وحدة سكنية هذا العام. وطلبت الحكومة إجراء مناقصة لبناء حوالي 350 منزلا في بيتار إيليت، التي تقع أيضا بالقرب من القدس. في نفس الوقت، بنيت مئات المنازل في مستوطنات داخل الضفة الغربية، مع تسليم من الحكومة، إن لم يكن إقرارا.

إن ذلك يصلح لأن يكون مخططا تاريخيا: فالمبادرات الدبلوماسية تسرع من عملية بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. وعندما تتضاءل جهود السلام، تظل المساكن ذات الأسقف الحمراء باقية.

أكبر مثال على هذا هو مستوطنة معالية أدوميم، التي تكتظ بالمباني السكنية على منحدر يقع بين القدس وأريحا. بدأت المناقشات السرية حول بناء مستوطنة في هذا الموقع داخل الحكومة الإسرائيلية في أغسطس (آب) عام 1974. وفي هذا الوقت بالتحديد، توسط وزير الخارجية هنري كيسينجر بين إسرائيل والأردن في اتفاق سلام مؤقت. اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال آلون أن تنسحب إسرائيل من أريحا في خطوة أولى تجاه تنفيذ خطته الأكبر: أن تتخلى إسرائيل أيضا عن مدن فلسطينية كبرى داخل الضفة الغربية.

ولكن أراد آلون أن تظل معظم مناطق الضفة الغربية تحت الحكم الإسرائيلي، ومن بينها الأراضي المحيطة بالقدس وتفصلها عن أريحا. وبحلول خريف عام 1974، فشلت الاتصالات الإسرائيلية الأردنية. ولكن حليف آلون السياسي، امبراطور المستوطنات إسرائيل جليلي استمر في بناء معالية أدوميم، فالبناء أسهل من التفاوض، وأصعب في إيقافه.

كانت طرق الحكومة في الاستحواذ على أراض للمستوطنات مغامرة، وكما هي الآن، خفية أيضا. فبعد معركة قانونية قوية حول حرية المعلومات، حصل درور إتكس من منظمة (يش دين) لحقوق الإنسان أخيرا على بيانات من الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي تتعلق بمصادرات ملكية أراضي الضفة الغربية. وفي ابريل (نيسان) عام 1975، صادرت إسرائيل 11 ميلا مربعا شرق القدس من أجل «المصلحة العامة». وفي عام 1977، صادرت ميلا مربعا آخر.

على جهاز الكومبيوتر المحمول، أراني إتكس صورة من الجو للمستوطنات الموجودة الآن، المبنية على أراض مصادرة. وتقع معظم مستوطنة معالية أدوميم داخل الأرض التي تمت مصادرتها.

إنه انتهاك جلي للقانون الدولي. وبموجب مؤتمر لاهاي لعام 1907، يمكن للقوى المحتلة أن تصادر ملكية أرض ما فقط من أجل الخدمة العامة للسكان المحتلين. إذن، فالاستحواذ على أراضي الضفة الغربية من أجل المنفعة الإسرائيلية أمر محظور.

إن ذلك إنما هو مثال واحد فقط على المخطط التاريخي. وفي عام، 1970، انتهت حرب الاستنزاف بين إسرائيل ومصر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز. كان من المفترض أن تكون المرحلة الثانية من مبادرة روجرز عقد مباحثات سلام. وخوفا من مواجهة ضغوط من أجل الانسحاب، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على بناء أول مستوطنة في قطاع غزة ليثبت حق إسرائيل في الأرض. وتوقفت المبادرة الدبلوماسية، ولكن استمر الاستيطان.

تكرر هذا المخطط ذاته عام 1998، عندما عقد الرئيس كلينتون قمة واي ريفر لإحياء عملية أوسلو. وانتهت القمة بتعهد إسرائيل باستكمال انسحابها من الضفة الغربية وتعهد فلسطين بوقف العمليات الإرهابية. ولم يلتزم أي من الطرفين. ولكن عاد وزير الخارجية في حينها إريل شارون إلى إسرائيل ونصح المستوطنين علانية بـ«الحصول على المزيد من التلال والتوسع في الأراضي. فكل ما يتم الاستحواذ عليه سيكون في أيدينا. وكل ما لا نستحوذ عليه سيكون في أيديهم». وقد أدى ذلك إلى إقامة المستوطنات الصغيرة التي تعرف بالمراكز الأمامية التي تحدد الضفة الغربية.

ومنذ مؤتمر أنابوليس، استمر المستوطنون المتشددون في البناء، أملا منهم في منع أية ضغوط للانسحاب. وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة تبني ما يسمى بالكتل الاستيطانية، وهي المستوطنات التي تصر على أن تحتفظ بها إسرائيل في أي اتفاق. وكما حدث في الماضي، تكتب إسرائيل موقفها من المفاوضات بالإسمنت فوق التلال. وهذا يعني المزيد من البناء على الأراضي المصادرة في معالية أدوميم.

لقد كان أولمرت قصير النظر عندما سمح بهذا، وكذلك بوش. وقد بدأ الرئيس عملية المفاوضات، ولكنه بذل القليل من الجهد من أجل استكمالها. وكانت معارضة الإدارة للتوسع في بناء المستوطنات واهية للغاية. وهذه المباني تمثل الآن رمزا على فشل بوش وكذلك أولمرت، كما أنها تجعل من الوصول إلى سلام إسرائيلي فلسطيني تحديا صعبا للغاية أمام الرئيس المقبل، مع افتراض أن الرئيس المقبل سوف يهتم باستكمال عملية السلام.

*الكاتب هو مؤلف كتاب «الإمبراطورية الاتفاقية: إسرائيل ومولد المستوطنات»

*خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»