سفير بين صينين

TT

لا أكتب هذه الكلمات بنية صافية. ومعاذ الله أنني أكتبها، أو أكتب سواها في خبث. فاللعنة الأبدية على كل خبيث لئيم زميم، كتابة وشفاهة وتبطينا ونوايا. لنقل، إذن، إنني أكتبها بنية حسنة ولكن ليس بنية صافية. فعندما شرعت في قراءة «تجارب الصين من التطرف الى الاعتدال»، للأستاذ محمد خير الوادي، سفير سورية في بكين، كان لي في ذلك غرضان: الأول، أنني من مقدري أسلوبه الكتابي، والفكري من يوم كان زميلا في هذه المهنة، ورئيس تحرير لصحيفة «تشرين». وكان يلفتني فيه جمع النقيضين: آيديولوجي وطري، حزبي ومتفائل، قومي ولا يجد في الابتسامة إهانة لأحد، أو سقوطا لمشروع الوحدة، أو خطرا على الإنجاز اليتيم: السد العالي.

أما الغرض الثاني، فهو أن أرى كيف يمكن لسفير دولة ملتزمة مثل سورية، عاشت تعجب بماو تسي تونغ وتجربته، أن يعالج تحول العملاق الصيني، من آثار ماو وكمامات «الكتاب الأحمر»، وهلاميات الخطب، الى تجربة الإنتاج المذهل والتقدم الذي لا يصدق، ومعجزة التنافس التي جعلت من الصين خلال 30 عاما، أغنى دولة «شيوعية» في التاريخ، وقوة اقتصادية تجاور اليابان وتتعدى جميع أمراض أميركا، وتتقدم روسيا رغم افتقارها الى كنوزها الأسطورية من نفط ومعادن وحتى من علوم.

أسارع الى الإقرار بأن إعجابي بمحمد خير الوادي باحثا وديبلوماسيا لم يكن أقل من تقديري له كاتبا. وكم تمنيت أن يتحول هذا السبق الى سابقة. أن ينصرف الديبلوماسيون العرب الى تدوين تجاربهم الخليقة بالتسجيل. وان يتجاوزوا طقوس الاستقبالات الى دراسة تجارب وقضايا البلدان التي يخدمون فيها. وان يرفعوا هذه الدراسات الى الناس وليس فقط الى الدوائر المختصة في وزارات الخارجية. وأعتقد، بكل حماس وموضوعية، أن «تجارب الصين» تصلح أنموذجا للأكاديميات الديبلوماسية في العالم العربي. ولا يعني ذلك أنني انتصر للمؤلف لأنه انتصر للصين الكفية غير المعوزة والمغلقة بين دفتي كتاب خانق، فقد أعطى محمد خير الوادي ماو حقه في توحيد الصين، وفي عدد من الإصلاحات، وفي طرد الذيول الاستعمارية، وحاول أن يقارن على طريقة شريط سينمائي بالأبيض والأسود. ولا يؤثر في موضوعيته أن بياض الاعتدال طغى.