أسلحة الدمار الشامل

TT

حديثي اليوم سوف يكون مقتصراً على الفلفل الذي يصنعون منه (التباسكو) أو الشطة، فمنه الأحمر والأخضر والملتوي والمستقيم، لكنها كلها عبارة عن أسلحة فتاكة، لا يحلو الأكل عند بعضهم إن لم يكن مخلوطا بها، ولقد جربت وتلوعت من جراء ذلك عند زيارتي للهند لعدة أيام، فليس هناك من مطعم يقدم لك لائحة الأكل إلاّ وتجد أمام الأصناف المطلوبة: إما قرنا واحدا من الفلفل يدل على مستوى حرقانه أو اثنين، أو ثلاثة، وقد تصل في بعض الأطباق إلى أربعة ـ ومعنى ذلك أن هذا الطبق ما هو إلاّ من أسلحة (الدمار الشامل) ـ، وعليك أنت وحدك تقع المسؤولية فيما لو طبيت من طولك على الأرض.

لم أجرب ذلك طبعاً لأنني من المتهافتين على مبدأ السلامة في كل شيء ابتداءً من الأكل وانتهاءً بالمعارك العاطفية.. فالهريبة مثلما يقولون هي «نصف المراجل».

وهناك مئات الأصناف منه، وقد قالوا تندراً: لقد كان إنساناً شجاعاً ذلك الذي أكل الفلفل لأول مرة، لكن أكثر شجاعة منه هو من تلاه في أكله.

ومن الناحية العلمية فالذي يعطي للفلفل طعمه اللاذع هو مادة كيميائية اسمها «كابسايوسين»، وهي على هيئة بلورات يتجمع معظمها في ضلوع الثمرة وبذورها.

وأذكر في صغري أن هناك زميلا لنا كان يتباهى بشرب قارورة «تباسكو» كاملة، وكنت أنظر له بإعجاب منقطع النظير، لأنني أقيسه بنفسي فما أن تقع نقطة واحدة على لساني إلاّ و«أتنطط» كالمعتوه.

نزل أحد الركاب من أهل حائل في مطار هيثرو بلندن وبينما كان يدفع عربة حقائبه بأمان واطمئنان استوقفه رجل التفتيش وطلب منه أن يفتح حقيبته، وعندما فتحها شاهد زجاجة شفافة «برطمان» ممتلئة بمسحوق أحمر، وسأله عن محتواه، فقال له إنه أكل، فما كان من الشرطي الطويل العريض إلاّ أن يتناول البرطمان ويفتحه ثم يقربه من أنفه ويستنشقه بقوة يريد أن يعرف كنهه، وإذا «بالصرار» الرهيب يطير ليس في داخل أنفه فقط ولكن في كل جمجمته، وأخذ المسكين يصيح ويعطس ويكح ويتقافز بالهواء ويدور حول نفسه، وقد تحول لونه إلى لون الجمر المتقد، وغطت الدموع والسوائل وجهه المنتفخ.

تراكض رجال الأمن نحوه من كل صوب وبعضهم كان شاهراً سلاحه، متوقعين أن هناك حادثاً إرهابياً قد حصل له، وتجمهر المسافرون في المكان، وعندما عرف السبب تحول حب الاستطلاع إلى ضحكات مجلجلة.

والغريب أن ذلك الشرطي بعد أن غسل رأسه ووجه بالماء «وبردت حرته»، رجع إلى المكان وسامح رجل حائل الذي لا يحلو له الأكل إلاّ «بالصرار»، وأغلقوا شنطته دون تفتيش وتركوه يدخل.

وفي ثاني يوم وردت هذه الحادثة كخبر في إحدى الصحف الإنجليزية مع صورة لرجل الشرطة وهو «يتقافز».

[email protected]