حمار إبليس!

TT

طريفة تلك الوثيقة التي تداولتها بعض مواقع الإنترنت، وتقضي بأن يحصل سائق الدراجة الهوائية في مدينة بريدة السعودية على رخصة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجيز له قيادة ما كان يسمى آنذاك بحمار إبليس. وقد جاء عرض الوثيقة ـ بحسب صحيفة «الرياض» السعودية ـ ضمن متحف شخصي لأحد المواطنين، وكان يتطلب استخراج الرخصة قبل نصف قرن معاملة طويلة عريضة تتضمن شهادة شهود، وكتاب عدل، وعمدة الحي، وكبير القبيلة، كما تتطلب تعهدا من قائد الدراجة الهوائية بأن لا يحمل الطيبات من الرزق عليها مثل الخبز والحنطة والشعير، وأن لا يقودها إلا من بيته لعمله نهارا، وعدم قيادتها في الليل، أو في الأسواق، أو خارج النطاق العمراني، ولا يردف عليها أحدا، كما لا يقوم بتأجيرها للغير.

وكانت الدراجة تقابل بقدر كبير من الاستهجان، الذي يصل إلى حد الرفض، كما كان ينظر إلى راكبها نظرة ازدراء واحتقار، حاله حال غير منضبطي السلوك ممن يدخنون السجائر ويرتكبون الأخطاء، ومن صور الازدراء لهذه النماذج قولهم: «شرابة التتن ركابة السياكل مطردة الدجاج».

وحال الدراجة كحال غيرها من المستجدات مثل الهاتف والسيارة والتلفزيون والإنترنت وغيرها، فجميعها قد وجدت من يعارضها، ويتحدث عن خطورتها حين ظهورها، ولكن قطار الزمن يسير دائما إلى الأمام، ولا يرجع إلى الخلف.. وقد عانى شارب القهوة في مكة المكرمة في أول ظهورها قبل بضعة قرون أضعاف ما عاناه سائق الدراجة «حمار إبليس» في بريدة، فلقد تشكك البعض في جواز شرب القهوة، وقاموا بتحريمها، وكان يصدر الأمر بجلد بائعها وشاربها وطابخها وشاريها، فكانت تشرب بسرية في دواخل البيوت، وإذا ما افتضح أمر شاربها فإنه قد يكون عرضة لتكسير أوانيها الفخارية على رأسه، أو جلده بضع جلدات بالسوط لكي يرتدع ويتوب عن تعاطيها.

الحياة تتغير، ورؤية الناس للأشياء غير المحرمة تتجه عادة إلى التكيف والألفة والقبول، حتى تصبح جزءا من عادات الناس، ونمطا من أنماط حياتهم، ولا أنسى موقف حلاق مدينة جدة العتيقة الأشهر والأقدم «أبو سداح» الذي كان يقود موقف الرفض الاجتماعي تجاه قصات الشعر الحديثة، فرؤوس الرجال ليس لها في قناعته سوى الموسى لتخرج الرأس من تحت يده «جلبطة»، تشرق تحت أشعة الشمس الحارقة.

ومن يدري فقد يأتي زمن يصبح الكثير مما نرفضه اليوم أمرا مألوفا في حياة أبنائنا وأحفادنا، وهم يستعيدون بعض مواقف رفضنا بشيء من الاستغراب والدهشة كما نفعل نحن اليوم، فلكل زمان ـ كما يقال ـ جنونه وفنونه.

[email protected]