الموت ليس رأيا

TT

كان العفو عن السيد إبراهيم عيسى، رئيس تحرير «الأسبوع» أرفع بالتأكيد من حكم الحبس الذي صدر في حقه. فالعفو أعظم من العدل.

قال الحديث ولكن يجب أن ندرك أيضا أن الصحافيين ليسوا فوق القانون ولا أمامه. إنهم بشر يخطئون وهم مواطنون يحاسبون. وقد درجت نقابات الصحافة في العالم العربي على استنكار أي إجراء يتخذ في حق صحافي أو مطبوعة، ولم تستنكر يوما جنحة أو جرما أو تعديا أو خطأ صحافيا. ولا أدري لماذا لا يحدث هذا الاستنكار تأييدا لطبيب أو مهندس.

جوهر المسألة طبعا فقدان الثقة في السلطة العربية ومنها السلطة القضائية. ففي الأمم «قانون تشهير» يخضع له الصحافيون والسياسيون بكل رضا وقبول. وبموجب هذا القانون أدخلت الصحافة البريطانية إلى السجن وزير دفاع سابقا وأشهر روائي معاصر. والتهمة كانت الكذب، وصحيفة «الأسبوع» نشرت خبرا غير صادق يقول إن الرئيس حسني مبارك قد مات. وليس صحيحا أن الخبر هز البورصة المصرية لأن اعتقال هشام طلعت هزها. خبر وفاة رئيس مصر يمكن أن يهز العالم العربي وأن يزعزع هدوء مصر وأن يشغل العالم. وبالتالي فإن الصحيفة المعارضة لم تنشر رأيا في حكم مبارك بل نشرت خبرا في بلاد المصريين الذين يستهولون أي شيء بالتعبير المرتعب: يا خبر!

اكرر للمناسبة، موقفا دائما، لا يجوز إرسال الصحافيين إلى الحبس إلا بجرم يستحق السجن. هناك أحكام مادية ومعنوية كثيرة يمكن اللجوء إليها بدل حشر حملة الأقلام مع حملة المسدسات والهراوات وعصابات توفيق الدقن ومحمود المليجي.

لا. لست أناقض نفسي: كيف يسجن أشهر روائي بريطاني سنوات ولا يسجن صحافي مصري شهرين. لأن الثقة بالقضاء البريطاني عامة ولأن المدعي ليس رئيس الدولة بل الحق العام.

وثمة حدث في مصر أخيرا أهم من العفو الرئاسي. لقد ألغت الحكومة موقع «المدعي العام الاشتراكي» الذي سجن ذات يوم محمد حسنين هيكل. وهو بدعة من البدع المناقضة للقانون وحكم القانون يشبه منصب المدعي العام في الثورة الفرنسية و«القوميسار» في الأزمات الستالينية، من موسكو إلى عدن. لقد أصدر توفيق الحكيم ونجيب محفوظ أقسى النقد لعبد الناصر ولم يحالا على «المدعي العام الاشتراكي». وكتب عبد الله القصيمي في «الديكتاتور» الناصري ما لم يكتبه أحد أبدا، وذهب إلى القاهرة للعلاج.