مناظرة تاون هول.. في مدح الجمل الكاملة

TT

هل هي صفة «رئاسية» أن تتحدث في جمل واضحة ذات بداية ومنتصف ونهاية؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد استمعنا إلى باراك أوباما صاحب هذه الميزة الرئاسية للغاية في المناظرة الثانية، فقد كان الرجل سلسا ودقيقا في شرحه لسياساته وفي نقد سياسات منافسه. وفي المقابل، بدا جون ماكين متصلبا وغير مرتاح، فكان يوضح أفكاره في مقاطع من الجمل وطرائف وإيماءات لم تعبر عما يريد. وكانت تعوزه اللباقة في التعبير سواء كان جالسا أم واقفا.

وفي كلامه كان هذا الرجل الذي يريد انتقاد منافسه والتأكيد على أنه هو الرجل المناسب لتولي المنصب الرئاسي، ولكنه لم يستطع التعبير عن نفسه أو شرح سياساته بلغة واضحة، تتكون من جمل وفقرات، ولم يتمكن من عرض أفكار كاملة.

أم هل مطالبتي بترابط الأفكار نوع من التفلسف؟ أرجو ألا أكون كذلك، ولكن نجاح جورج بوش السياسي جعلنا نتساءل ما إذا كان الشعب الأميركي يفضل بالفعل شخصا لا يتقن القواعد اللغوية، ويتحدث في جملة غير مكتملة. وفي رأيي إن ما ساعد بوش هو أن أسلوبه المليء بالأخطاء بدا أكثر راحة من الأسلوب الرفيع، الذي كان يتحدث به منافساه في انتخابات عامي 2000 و2004، آل غور وجون كيري. في المناظرة الثانية، أعتقد أن حديث أوباما الهادئ الموزون هو الفائز.

وقد شرح أوباما خطة الإنقاذ المالي التي تتكلف 700 مليار دولار واعتمدتها إدارة بوش بوضوح وبلاغة، أفضل من بوش نفسه. وكانت هذه خدمة جليلة يقدمها لشعب يحاول استيعاب ما يحدث في الاقتصاد.

وأوضح قدر الضرر الذي وقع جراء رفع القيود عن الأسواق المالية. وكان قوله إن لدينا «نظاما رقابيا قديما يرجع إلى القرن العشرين نطبقه على أسواق القرن الواحد والعشرين المالية» صائبا تماما.

وأشار في أسلوب بليغ ومترابط إلى الأخطاء الموجودة في خطة ماكين للرعاية الصحية.

وفي المقابل، كان ماكين في الأساس عاجزا عن مجاراة الأسلوب البلاغي، وفي بعض الأحيان حتى لم يكن يحاول أن يفعل. فلم يعبر عن نفسه جيدا، وبدا انه يعرف ذلك. لذا أخذ يؤكد ويهدد ويصيح، كما أنه في حاجة إلى شخص يقول له إن إفراطه في قول «أصدقائي» وصل إلى درجة مزعجة.

ويوجد أمر سلبي يحسب على أوباما، فمرة أخرى لم يعل بنفسه إلى مستوى تحدي الأزمة المالية. فعندما تستمع إلى تعليقاته المسكنة لم تكن لتعرف أن مؤشر داون انخفض 500 نقطة أمس، أو أن أسواق الائتمان العالمية تجمدت. ربما يكون هذا ذكاء سياسيا بألا يضيف إلى مخاوف البلاد في الوقت الحالي. ولكن بدا الأمر وكأن كلا الرجلين يتجاهلان فيلا ضخما واقفا بعيدا عن قاعة المناظرة في تينيسي. لا توجد أية إشارة بعد على أن أوباما لديه حس فرانكلين روزفلت بأبعاد الأزمات، والحاجة إلى التصرف. ولكن، كان أوباما على الأقل صادقا في الحاجة إلى ترتيب الأولويات، في مواجهة الهبوط الاقتصادي الحاد. وقد أجاب على سؤال توم بروكاو وحدد أولوياته: الطاقة والرعاية الصحية والتعليم، أولا، ثانيا، ثالثا.

وفي المقابل، ادعى ماكين أنه يمكننا أن «نفعل كل شيء» في وقت واحد، وأشار إلى أن التفكير بخلاف ذلك سيكون غير أميركي. وردا على محاولة أوباما تحديد أولويات، قائلا: «لسنا طلقات بندقية، فنحن أميركيون» آسف، ولكن ما الذي كان يعنيه بذلك؟

وأخيرا، بما أننا جميعا نفكر في مقارنة الأزمة الحالية بالكساد الكبير، فهل أنا الشخص الوحيد الذي يجد صفات الرئيس هوفر في إصرار ماكين المتكرر على الحاجة إلى تخفيض الإنفاق الفيدرالي نتيجة للأزمة الاقتصادية، لدرجة الدعوة إلى تجميد الإنفاق؟ هذا الأسلوب المعادي للحكومة والإنفاق كان محور خطة هوفر الفاشلة لحل الأزمة الاقتصادية. في بعض الأحيان ينتقد الناس أوباما بسبب أسلوب أساتذة الجامعات الذي يتحدث به. ولكن في ليلة المناظرة، أعتقد أن شرحه الهادئ والمترابط للسياسة كان ميزة واضحة. فلا عيب في رجل يتحدث في جمل مكتملة. وكما قال الفيلسوف لودفيغ فيتغينشتاين: «إذا لم تستطع أن تقولها فلا يمكنك الهمس بها».

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»