سلم لي عليهم!

TT

لا يزال الشارع الأردني يتحدث عن «غضبة» العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعدم حضوره لإفطار نقابة الصحافيين الأردنية، وذلك كتعبير على امتعاضه وعدم رضاه من أسلوب تناول الصحافة الأردنية لبعض القضايا وإثارة النعرات والفتن العرقية والمذهبية والدينية. وكانت «القنبلة» الكبرى التي دوت حينما كتب أحد الصحافيين مقالا «لاذعا» اعتبر أن استهداف رئيس الديوان الملكي الأردني وعدة شخصيات أخرى يحدث ليس بسبب برنامجهم السياسي ولكن بسبب «أصلهم» الفلسطيني، وأدى ذلك إلى انتشار محموم للرد والرد المضاد، وكان المتابع لما يكتب في الصحافة الأردنية وكأنه يتابع صحف لبنان والعراق! ووسط مناخ العولمة وإزالة الحدود ونزع التفرقة البينية بين الناس بغض النظر عن خلفياتهم، وسط كل ذلك يبدو العالم العربي «مغرزا» في أوحال التفرقة ومتعلقا بأوهام الأصول وموهوما بأخطار الأقليات ووجودها في المجتمع. غريب حجم الاهتمام بالأصول الذي يتحول من بحث وفضول اجتماعي وانثربولوجي إلى سلاح ووسيلة كبرى وتفرقة بامتياز، والعالم يسير ضاحكا ساخرا من أمة أصبحت خارج الحراك التاريخي. غريب هذا التصنيف الذي يتم التجرؤ بوضعه على البعض ليفرق بينهم وبين غيرهم مشككا في مواطنتهم، بينما هم في واقع الأمر أكثر أهمية وعطاء وإنتاجا من غيرهم. فالشركس في الأردن مثلا لا يمكن التعامل معهم على أنهم أقلية وهم الذين كانوا في الأردن جغرافيا قبل قيام المملكة نفسها، ومساهماتهم في كافة المجالات تشهد على نفسها، ينطبق عليهم ذات الشيء الأرمن في لبنان أو «الشوام» في مصر والسودان، وغيرها من الأمثلة المعروفة جدا. لا يحتاج العرب إلى النظر بعيدا للتعلم والاستفادة من تجارب الغير، فجنوب شرقي آسيا دوله فيها الكثير من الأمثلة الناجحة على قدرة وتألق هذه الدول على استيعاب مواطنين هاجروا إليها وانغماسهم في صميم النسيج الوطني، وأمثلة نجاحات الصينيين والهنود تتحدث عن نفسها، وطبعا هناك الأمثلة الصارخة في دول العالم الجديد مثل البرازيل ونيوزيلاندا وكذا استراليا والبيرو والأرجنتين. مرعب حجم ما يصرف لتمجيد «الأصول» والبحث عنها بشكل محموم ولا أحد يعرف حقيقة الفوائد أو القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من كل ذلك، وإنما يبدو واضحا أن كل ذلك يقع ضمن خانة العلم الذي لا ينفع، وهو الذي استعاذ منه سيد الخلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كل ذلك يولد الاحتقان والتشنج ويزيد من درجات التفرقة والطبقية وسط مجتمعات بالغة الهشاشة أصلا. التفرقة العنصرية البغيضة هي السر «القذر» الذي يخشى الكثيرون التعاطي فيه، ولا يجرؤ أحد على طرحه والحديث عنه صراحة حتى تحول الكثير من المؤسسات إلى كانتونات ومآرب ومرتعا للمحاسيب والأنصار بدون حساب للعناصر المشتركة التي تجمع ولا تفرق. روح المواطنة الحقيقية لا تأتي بالأغاني والأناشيد والرقصات والأهازيج والشعارات بل بالقانون الذي يسطع فوق رؤوس الجميع، فيشعر الكل بالأمان ويحس بالطمأنينة بدون المفاجآت غير السارة التي توقظ البعض من راحتهم لتذكرهم بأنهم غير الآخرين.. وسط كل هذا الحديث «المتخلف» واللاإنساني، أذكر الجميع أن باراك حسين أوباما يسلم عليكم!

[email protected]