مفاوضات أمة حار القضاة بأمرها

TT

يشير معظم العارفين إلى أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أصبحت اقرب إلى الكوميديا ولكنها تختلف عن الكوميديا في أنها لن تسفر عن نتيجة. وهو في الواقع ما يذكرنا بكل المفاوضات التي جرت بين الطرفين منذ أيام بلفور لا غفر الله له. وهذه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تذكرنا بدورها بما يجري من مفاوضات المصالحة في لبنان. وما يجري في لبنان يذكرنا بما يجري من مفاوضات في العراق. وما يجري في العراق يذكرنا بما يجري من مفاوضات بين الأطراف المتقاتلة حيثما نطق الناس بحرف الضاد. وحرف الضاد من الأصوات التي ما زال القوم يتفاوضون بشأن كيفية النطق به. وهو أمر فيه مدارس مختلفة. طردوني من الإذاعة البريطانية لأنني كنت أنطق به على المدرسة العراقية، وهو ما يتضايق منه أتباع المدرسة المصرية فطردوني.

قلت إن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحولت إلى مسرحية كوميدية. وفي دنيا المسرح، لا يجوز للممثلين والممثلات أن يخرجوا من المسرح بحجة أنهم لا يتفقون مع ما ورد في النص. لهم دور وتعاقدوا على القيام به وعليهم أن يواصلوا تمثيلهم الكوميدي ويضحكوا الجمهور الذي اشترى البطاقات بأغلى الأسعار، ملايين الدولارات ثمن كل تذكرة لمشاهدة هذه المسرحية الكوميدية الرائعة: إقامة الدولة الفلسطينية. وهذا هو ما يجري الآن في فلسطين.

الحبكة الرئيسية لمسرحيات المفاوضات العربية في كل مكان تقوم على نفس حبكة المقلب الذي وقع فيه أهل قونيا عندما ألمت بهم المصائب فذهبوا إلى والي انطاكيا يستفتونه في الأمر. وكان واليا مشهورا بحكمته ودرايته بدليل أنه كان يحسن نظم الشعر. بادرهم بهذا السؤال البسيط: حسنا. عندكم مصيبة. أتعرفون ما هو سببها؟ قالوا: كلا. هذا ما جئنا من أجله. قال: أنتم أهل البلد ولا تعرفون سبب مصيبتكم وتنتظرون مني أن أعلمكم بها؟

طردهم من مجلسه وعاد إلى جارياته العشر. رجعوا لبلدهم وتوالت المصائب عليهم. قرروا الذهاب إليه ثانية لسؤاله. وعاد القاضي إلى نفس السؤال. وفي هذه المرة قالوا: نعم نعرف سببها. قال ألا تعرفون كيف تعالجونه؟ قالوا: كلا. قال: وتريدون مني أن أضيع وقتي في تعليم قوم يعرفون سبب مصائبهم ولا يعرفون كيف يعالجونه؟

طردهم من مجلسه على الفور وعاد إلى جارياته العشر. ورجعوا لبلدهم خائبين. وتوالت المصائب عليهم. قرروا الذهاب إليه مرة أخرى لاستفتائه. وفي هذه المرة تعلموا من الفرنج على الحياة الحزبية. انقسموا إلى فريقين. قال نصفهم نعم نعرف وقال نصفهم الآخر لا نعرف. وقف وأجابهم قائلا: إذن فلماذا تضيعون وقتي؟ فليعلم الذين لا يعرفون أولئك الذي يعرفون. ففي بلدكم هذا من لا يعرفون أكثر معرفة وعقلا ممن يعرفون. قال وعاد إلى جارياته العشر.

انصرفوا من مجلسه وعادوا إلى قونيا. وعندما وصلوا وجدوا أن الفرنج قد استولوا عليها وطردوا أهلها. فضربوا يدا بيد وقالوا لا حول ولا قوة إلا بالله.

www.kishtainiat.blogspot.com