الذئب والحمل

TT

أينما كنت ومهما كانت زاوية الرؤية التي اخترت محدودة، ودرجة العزلة محبوكة حول وجودك كالازار فلا بد انك سمعت عن الازمة الاقتصادية التي يمر بها العالم الغربي. الازمة بدأت بسبب القروض السخية التي قدمتها البنوك للناس تحت بند التمويل العقاري: اشتر بيتا اليوم وادفع غدا بفلوس البنك بدلا من ان تدفع ايجارا لصاحب عقار. بذلك زاد الطلب على العقارات وارتفعت الاسعار ارتفاعا زائفا فتوهم من اشترى انه حقق ثراء سريعا مكنه من اقتراض المزيد لتحقيق احلام اخرى مؤجلة.

ثم راحت السكرة وجاءت الفكرة واكتشفت البنوك ان اقساط القروض الكبيرة جدا لا تسدد في مواعيدها واضطرت للحجز على بعض العقارات وسرعان ما انكشف ملعوب الثروة الزائفة حين تراجعت الاسعار الى مستوى القيمة الفعلية أو دونها. فشرد من شرد وافلست بعض البنوك واضطرت الحكومات للتدخل لانقاذ القطاع البنكي.

المذنب الاول هو البنوك التي افرطت في تقديم قروض بلا ضمانات وتسببت في ارتفاع سريع في اسعار العقارات واغدقت على مديريها المكافآت والحوافز بملايين الدولارات. وحين تعالت الاصوات ذما في البنوك صاحبها همس خافت يفيد بأن البنوك ما لم تكن لتفعل ما فعلت الا بتشجيع من حكومات سعت لايهام الشعوب بانها تعيش حالة رخاء يؤمن للمواطن فرصة شراء ما يريد. فالمواطن المرتاح يتصور ان الحكومة تسعى لتأمين احتياجاته. وان لم يفهم كافة السياسات التي تقررها تلك الحكومة فما عليه الا ان يثق بأنها حكومة رشيدة استنادا الى انها ترعى مصالحه في الداخل. وتنسحب تلك الثقة ايضا على السياسات الخارجية حتى وان تبنت الحكومة سياسة غزو بلاد العالم ونهب ثرواتها وتركيع شعوبها.

ثلاثة امور استوقفتني وانا اتابع اخبار الازمة والحلول التي تطرح لاحتوائها. اما الامر الاول فهو انه لا واحد من المعلقين والمحللين تجرأ ان يجهر بأن الحلول التي تطرح هي اقراص مزيلة للالم لتخفيف اعراض المرض فقط . ولكن احدا لم يعرف بالمرض وهو ان النظام الاقتصادي المعمول به حاليا نظام مصيره الفشل لأنه نشأ لخدمة وحماية مصالح الاقلية على حساب الاغلبية.

الامر الثاني ورد في إحدى نشرات الاخبار على لسان انجليزية سئلت عن رأيها في القرارات التي اجازها مجلس العموم لدعم الاقتصاد وانقاذه من التهاوي. قالت: كيف قدم جوردون براون 400 مليون جنيه للبنوك بهذه السرعة بينما اعتذر مرة بعد مرة عن دعم القطاع الطبي الذي يقدم العلاج المجاني لمحدودي الدخل؟

استوقفني ايضا أن التمويل العقاري هو نظام ربوي تجني من ورائه البنوك والشركات ارباحا طائلة. البنك يقدم قرضا وحين تشتري البيت تظل اوراق الملكية محفوظة لدى البنك لأنه هو المالك الفعلي الى ان يتم تسديد القرض والفوائد التراكمية المهولة خلال الفترة المتفق عليها والتي تصل الى 25 عاما. العجيب هو ان شركات التمويل العقاري زحفت الى الدول الفقيرة لتغري الناس بحلم الثراء السريع تسبقها شبكات اعلانية وبرامج تسويقية وقروض فورية تقدم لذوي الدخل المحدود في دول كمصر لشراء شقق وفيلات بأسعار فلكية وفوائد تصل الى 12% بينما لا يزيد سعر الفائدة في بريطانيا مثلا على 5%.

ماذا تفعل لو كنت انسانا صادقا يرى ذئبا متخفيا في ثوب حمل يتربص بأقرب الناس اليك؟