.. وعاد النظام السوري إلى عادته القديمة!

TT

استعاد النظام السوري في الآونة الأخيرة عادة سابقة له تتمثل باستقبال شخصيات سياسية لبنانية بمعظمها من القوى المتحالفة معه والتي تكاد تنطق باسمه في ما يتعلق بالشؤون اللبنانية الداخلية. وهذه العادة كانت قد توقفت، على المستوى الاعلامي أقله، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وبعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان في أبريل (نيسان) من العام نفسه. طبعاً، لا يمكن تخيل أن توقف الاستقبالات السياسية العلنية للزوار اللبنانيين في دمشق يعني في أي شكل من الاشكال وقف التدخل السياسي المباشر في الشؤون الداخلية. فهذا التدخل بقي مستمراً من خلال تواصل منتظم مع قوى لبنانية متعددة، ولو أن دمشق قد حددت بعض الشيء قنوات الاتصال مع حلفائها في لبنان وحصرتها نسبياً بحزب الله.

ويمكن تفسير هذه «العودة» السورية العلنية المباشرة إلى الساحة السياسية اللبنانية بعدما خفتَ هذا الدور بشكل ملحوظ إلى عوامل عديدة، قد يكون منها:

فك العزلة التي عانى منها النظام السوري بعد اغتيال الحريري والتي وصلت إلى مقاطعة عربية ودولية شاملة لم تكسرها سوى إيران بحكم تحالفها الاستراتيجي مع دمشق وبعض الدول الهامشية الاخرى التي لا يمكن وصفها بأنها لاعبة أساسية في المنطقة. ولقد فتح هذا المسار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي اعتمد مقاربة مخالفة لمقاربة سلفه الرئيس السابق جاك شيراك، معتبراً أن الحوار مع دمشق سيفضي إلى نتائج أكبر من العزل. وسيعود لوزارة الخارجية الفرنسية والدوائر الديبلوماسية المختصة إعادة قراءة هذه السياسة وما حققته بالفعل بعد فترة، خصوصاً أن هذا النظام يعتمد ازدواجية واضحة في خطابه السياسي، فيفعل عكس ما يعلن، ويناور في الوقت بانتظار متغيرات إقليمية ودولية ما توصله في نهاية المطاف إلى واشنطن.

انطلاق المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية في اسطنبول بوساطة تركية، وهو ما قد يستدعي إعادة خلط الأوراق بشكل أو بآخر في الساحة اللبنانية من خلال إعادة إحياء أدوار بعض القوى السياسية التي سوف تكون على استعداد للقيام بحملة تبريرية استباقية للسلام السوري ـ الإسرائيلي في حال نجاحه، بينما قد لا ينجح الحليف الرئيس للنظام في لبنان، حزب الله، بالقيام لذلك حتماً لأنه سوف يناقض كل أدبياته القائلة بالمقاومة. فمجرد قيام هذه المفاوضات يحرج حزب الله، فكيف بنجاحها؟ وهنا، لا بد لحزب الله أن يدرك أنه لن يجد سوى الخيمة الوطنية فوق رأسه، لأنه قد يفاجأ بالتخلي السوري عنه في لحظة إقليمية تكون قد تشكلت فيها الاقتناعات بإعادة تركيب التحالفات الحالية على قواعد مختلفة تماماً.

يريد النظام السوري إرسال إشارات واضحة الى الداخل والخارج على أنه لا يزال حاضراً بقوة في اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية، وأنه يستطيع ممارسة نفوذه مرة جديدة من خلال شبكة علاقات كبيرة مع مجموعة من الأحزاب والمجموعات والأفراد الذين قد يحركهم في أوقات ومناسبات مختلفة تحقيقاً لأهدافه.

وتزامناً مع عودة اللقاءات المباشرة في دمشق، وجه الرئيس السوري جيشه إلى الحدود الشمالية للبنان، وواصل حفر آبار مائية من الناحية الشرقية في منطقة دير العشائر، وكأنه بذلك يستعيد تدريجياً حضوره العسكري إلى جانب حضوره السياسي وإن من خارج الحدود (في حالة الشمال، إنما من داخلها في حالة دير العشائر). ناهيك من بعض البؤر التي ترفع الشعارات الفلسطينية بينما هي تتبع النظام السوري وقادرة على القيام بما يطلب منها على المستوى الداخلي اللبناني.

إذا كانت هذه المقاربات السورية تعكس استمرار السلوكيات السورية السابقة تجاه لبنان والتي في حدها الأدنى تعني عدم الرغبة في الاعتراف به كدولة مستقلة ذات سيادة، فماذا سيكون مصير العلاقات الديبلوماسية الموعودة؟ وهل من الممكن مع هذا النظام الوصول إلى مرحلة يتم فيها التعامل بين الحكومتين كما تنص الأعراف الديبلوماسية، وكما هو حاصل بين الدول؟

يبدو أن هذه المقاربة صعبة التطبيق مع نظام لا يقر بوجود دولة إلى جانبه اسمها لبنان، فلماذا يسهل حياتها؟

هل لا يزال من الممكن القول إن الحوار أفضل من العزل؟ ربما، ولكن النتائج العملية تثبت عكس ذلك.

* مفوّض الإعلام في الحزب

التقدمي الاشتراكي ورئيس تحرير جريدة «الأنباء» اللبنانية